
معهد التربية بخت الرضا
تاريخ من الإنجازات التربوية
تأسس معهد التربية بخت الرضا في عام ١٩٣٤م بواسطة المستر قريفيث (Mr. Griffiths) بناءً على توصية لجنة برئاسة ونتر، مدير مصلحة المعارف، جاءت هذه الخطوة بعد إضراب طلاب كلية غوردون وتوصيات ج.س.أسكوت بضرورة إصلاح نظام التعليم وتطويره. وكان الهدف الأساسي من إنشاء المعهد هو تحسين جودة التعليم في السودان عبر إعداد معلمين أكفاء وتطوير مناهج تربوية تلبي احتياجات المجتمع.
اختيار موقع المعهد
تم اختيار موقع المعهد شمال الدويم، وذلك بعد موافقة مدير مديرية الدويم، زميل دراسة سابق للمستر قريفيث. ساعد المدير قريفيث بمنحه قطعة الأرض اللازمة للمعهد، وقام بتنظيف الأرض وبناء المنشآت باستخدام المواد المحلية ومساعدة المساجين في عملية البناء. واسم “بخت الرضا” يعود إلى امرأة كانت تحرس مخازن العيش في تلك المنطقة، والتقى بها قريفيث أثناء بحثه عن موقع مناسب لبناء المعهد.
أهداف المعهد
- تدريب المعلمين: كان الهدف الرئيسي هو تدريب مدرسي المدارس الأولية لضمان جودة التعليم في المراحل الابتدائية.
- وضع المناهج: تطوير مقررات وكتب مدرسية للتلاميذ ومراجع إرشادية للمدرسين لتوحيد وتحديث المناهج التعليمية.
- تأهيل المعلمين: تنظيم دورات تأهيلية للمعلمين الذين لم يتلقوا التدريب في بخت الرضا، بهدف تحسين مهاراتهم وتعزيز قدراتهم التعليمية.
- نشر التعليم: التركيز على نشر التعليم في المناطق الريفية ووضع مناهج تلبي احتياجات المجتمع الريفي.
نشاط المعهد وتطوراته
مدرسة العرفاء:
في أكتوبر ١٩٣٤، تم نقل مدرسة إعداد المعلمين من كلية غوردون إلى بخت الرضا، حيث تم افتتاحها رسمياً. بدأت الدراسة في المدرسة لمدة أربع سنوات بعد إكمال المرحلة الأولية، ثم زيدت إلى خمس سنوات في عام ١٩٤٠م، ورفعت إلى ست سنوات في عام ١٩٤٤م. هذا التطوير يعكس الاهتمام الكبير بتحسين جودة التعليم والتدريب للمعلمين.
قسم التفتيش الفني:
تم إنشاء أول قسم للتفتيش الفني في تاريخ التعليم بالسودان في بخت الرضا. هذا القسم كان له دور محوري في متابعة تنفيذ المناهج والتأكد من جودتها وملاءمتها لاحتياجات المعلمين والتلاميذ.
كلية المعلمين الوسطى:
تم تأسيس كلية المعلمين الوسطى في بخت الرضا لتدريب معلمي المرحلة المتوسطة. في نهاية الستينيات، تم انتساب المعهد لجامعة الخرطوم، مما أتاح للمعلمين الحصول على شهادات جامعية معترف بها. وكانت الدفعة التي تخرجت في عام ١٩٧١م هي الأولى التي منحت شهادة جامعية من جامعة الخرطوم.
مركز البحوث التربوية
تم إنشاء مركز البحوث التربوية في بخت الرضا في عام ١٩٧٧م. قام المركز بدور رائد في إجراء الأبحاث التربوية ونشر المعرفة، حيث أصدر مجلة “البحوث التربوية” التي صدرت منها أربعة أعداد في الفترة من ١٩٧٨ إلى ١٩٨٢. هذه المجلة كانت منبراً مهماً لنشر الدراسات والأبحاث التربوية وتسليط الضوء على قضايا التعليم المختلفة.
مؤتمر التعليم ١٩٩٠:
عُقد المؤتمر القومي الخامس للتعليم في عام ١٩٩٠م، وكان له دور بارز في تحديد غايات التعليم وإصلاح النظام التعليمي. من أهم قرارات المؤتمر تغيير السلم التعليمي إلى (٨ – ٣) وبناء مناهج جديدة تلبي احتياجات المجتمع وتواكب التطورات العالمية.
جامعة بخت الرضا
في عام ١٩٩٧م، صدر مرسوم رئاسي بإنشاء جامعة بخت الرضا، مكملة لمسيرة كلية التربية بخت الرضا. أصبح المعهد جزءاً من الجامعة، مما أتاح الفرصة لتوسيع نطاق البرامج التعليمية والبحثية وتعزيز دور الجامعة في خدمة المجتمع.
قصيدة الشاعر عمر أبو القاسم
بعزم اليد ورأي سديد
سنمضي حثيثاً إلى ما نريد
نشق الصعاب نخوض المحن
فيا معهداً مشرقاً كالصباح
أنر للشباب طريق النجاح
فأنت الرجاء وأنت الدليل
بنور العلوم تضيء السبيل
فعش معهدي واحمل المشعلا
وحث الركاب لنيل العُلا
فإنا سنمضي إلى ما نُريد
بعزم أكيد ورأي سديد
هذه الأبيات الشهيرة كانت تردد في كل عيد لمعهد بخت الرضا، وتعبر عن روح الإصرار والطموح لدى طلاب وخريجي المعهد. استمرت بخت الرضا في العطاء لأكثر من سبعين عامًا، مؤسِّسةً لتاريخ تربوي عريق، ومساهمة في تطوير التعليم في السودان بفضل سياساتها الرشيدة وجهود رجاله المخلصين. على الرغم من التحديات التي واجهها المعهد في فترة التسعينيات، إلا أنه نفض عن نفسه الغبار وعاد مجددًا بثوب جديد، ليصبح جامعة بخت الرضا في عام ١٩٩٧م، بفضل الجهود العظيمة للبروفيسير عبدالله كريم الدين وخلفائه.
أثر المعهد على المجتمع والتعليم
معهد التربية بخت الرضا لم يكن مجرد مؤسسة تعليمية، بل كان رمزاً للتغيير والتطوير في مجال التعليم في السودان. ساهم المعهد في تدريب أجيال من المعلمين الأكفاء الذين نشروا العلم والمعرفة في كافة أنحاء البلاد. وكانت هناك توجهات كبيرة نحو دمج التعليم المهني في المناهج الدراسية لتلبية احتياجات السوق المحلية، وتزويد الطلاب بالمهارات العملية اللازمة.

التحديات والإنجازات
على الرغم من التحديات الكبيرة التي واجهها المعهد خلال فترات مختلفة من تاريخه، إلا أنه تمكن من الاستمرار في تحقيق أهدافه بفضل الالتزام والجهود الكبيرة من قبل القائمين عليه. ارتبط المعهد بجامعة الخرطوم مما عزز مكانته الأكاديمية وساهم في تطوير برامجه التعليمية لتتناسب مع معايير التعليم العالي.
مبادرات مستقبلية
المعهد لم يتوقف عند تحقيق إنجازاته السابقة، بل استمر في تقديم المبادرات التي تساهم في تطوير التعليم في السودان. وكان من بين هذه المبادرات:
- تأسيس برامج للتعليم عن بُعد: لضمان توفير التعليم للطلاب في المناطق النائية.
- تنظيم مؤتمرات وندوات تربوية: لمناقشة أحدث التوجهات والأبحاث في مجال التربية والتعليم.
- تعزيز الشراكات الدولية: مع مؤسسات تعليمية عالمية لتبادل الخبرات وتطوير المناهج الدراسية.
تأثير بخت الرضا على التعليم في السودان
لقد كان لبخت الرضا تأثير كبير على التعليم في السودان، حيث أفرزت هذه المؤسسة العديد من الكفاءات التعليمية التي ساهمت في تطوير وتحسين جودة التعليم في البلاد. وتعد بخت الرضا رمزًا للفخر الوطني والتقدم التعليمي الذي يسعى السودان لتحقيقه.
معهد التربية بخت الرضا هو ليس مجرد مؤسسة تعليمية، بل هو رمز للإصرار والمثابرة والتطور المستمر في مجال التعليم في السودان. وهو يجسد الرؤية المستقبلية للتعليم التي تركز على الابتكار والجودة والشمولية.