الثورة المهدية والاستجابة البريطانية – الجزء الأول

الخلفية وأسباب الحرب المهدية

بدأت الحرب المهدية، التي تُعرف أيضاً بثورة المهدي أو الثورة المهدية السودانية، في عام ١٨٨١ تحت قيادة محمد أحمد، الذي أعلن نفسه المهدي. كان المهدي شخصية دينية وسياسية كاريزمية، واستطاع أن يجمع حوله عدداً كبيراً من الأتباع من مختلف القبائل السودانية. جذبت رسالته التي دعت إلى الجهاد ضد الحكم المصري والبريطاني، والتي وعدت بإقامة دولة إسلامية عادلة، العديد من السودانيين الذين كانوا مستائين من السياسات القمعية للإدارة المصرية.

في هذا السياق، كان السودان يعاني من تأثيرات خارجية كبيرة، خاصة من الإمبراطورية العثمانية والحكم المصري. السياسات المصرية، التي شملت فرض ضرائب عالية والعمل القسري، أثارت استياءً كبيراً بين السكان المحليين. ضعف الإمبراطورية العثمانية وتراجع السيطرة المصرية على السودان خلقا فراغاً في السلطة استغله المهدي بشكل كبير.

صعود المهدي

إعلان محمد أحمد نفسه المهدي في عام ١٨٨١ كان بمثابة بداية الثورة. استطاع المهدي أن يكسب الدعم من قبائل وزعماء دينيين مختلفين، موحدًا قواه تحت لواء الإسلام والجهاد. استخدمت قوات المهدي، المعروفة باسم الأنصار، تكتيكات حرب العصابات واستغلت معرفتهم بالمنطقة لتحقيق انتصارات مبكرة ضد القوات المصرية.

النجاحات الأولى للمهديين زادت من شعبية الحركة، حيث انضم المزيد من السودانيين إلى الجهاد. القوة المتزايدة للمهديين دفعت السلطات المصرية والبريطانية إلى محاولة قمع الثورة بوسائل عسكرية، لكنها واجهت مقاومة شرسة.

الحملة العسكرية والاستجابة البريطانية الأولية

الاستجابة البريطانية للحرب المهدية كانت في البداية محدودة، حيث اعتبرت الحكومة البريطانية أن هذه المشكلة تخص مصر أكثر من بريطانيا. ولكن مع تفاقم الوضع وتصاعد الانتصارات المهدية، بدأت بريطانيا تتدخل بشكل أكبر.

في عام ١٨٨٤، أطلقت الحكومة البريطانية حملة إنقاذ بقيادة الجنرال جارنات ولسلي بهدف الوصول إلى الخرطوم وإنقاذ الجنرال تشارلز جوردون، الذي كان قد أُرسل للإشراف على إخلاء القوات والمدنيين المصريين. ومع ذلك، تعثرت الحملة بسبب التحديات اللوجستية والمقاومة القوية من قوات المهدي. بحلول الوقت الذي وصلت فيه قوات الإنقاذ إلى الخرطوم، كانت المدينة قد سقطت والجنرال جوردون قد قُتل.

حصار الخرطوم

واحدة من أبرز أحداث الحرب المهدية كانت حصار الخرطوم، الذي استمر من مارس ١٨٨٤ إلى يناير ١٨٨٥. قوات المهدي حاصرت المدينة، مقطعة الإمدادات والاتصالات. الجنرال تشارلز جوردون، ضابط بريطاني، أُرسل إلى الخرطوم للإشراف على إخلاء القوات والمدنيين المصريين. ومع ذلك، اختار جوردون البقاء والدفاع عن المدينة، آملًا في وصول تعزيزات لم تأتِ.

انتهى الحصار في يناير ١٨٨٥ عندما اخترقت قوات المهدي دفاعات المدينة واستولت على الخرطوم. قُتل الجنرال جوردون، وسقوط الخرطوم كان نصراً كبيراً للمهديين، مما عزز سيطرتهم على السودان.

تداعيات الحصار وفشل حملة الإنقاذ

فشل حملة إنقاذ الجنرال جوردون كان له تأثير كبير على السياسة البريطانية والمصرية في المنطقة. الهزيمة في الخرطوم كانت ضربة قاسية لهيبة بريطانيا وأدت إلى إعادة تقييم شاملة للاستراتيجيات البريطانية في السودان.

بعد سقوط الخرطوم، قررت الحكومة البريطانية تبني نهج أكثر حذرًا، مع التركيز على تعزيز سيطرتها على مصر وحماية مصالحها في المنطقة. ومع ذلك، فإن صعود الدولة المهدية واحتمال تهديدها للمصالح البريطانية في وادي النيل والبحر الأحمر دفع إلى إعادة تقييم السياسة البريطانية.

بعد سقوط الخرطوم، وإعادة تقييم الاستراتيجية البريطانية في السودان، شهدت الحرب المهدية تحولاً كبيراً. فقد مهد هذا الحدث الطريق لتطورات أخرى في الصراع، حيث أعادت كلا الجانبين تجميع صفوفهما وتكييف تكتيكاتهما. في الجزء التالي، سنتناول عودة الجهود البريطانية والمصرية لاستعادة السيطرة على السودان، والمعارك الرئيسية التي تلت ذلك، والانهيار النهائي للدولة المهدية.

ترقبوا الجزء الثاني حيث سنستعرض فيه جهود بريطانيا ومصر المتجددة لاستعادة السيطرة على السودان، والمعارك الرئيسية التي تلت ذلك، والانهيار النهائي للدولة المهدية.

شارك بتعليقك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

راسلنا

التواصل السريع

الرسالة