حوار هادئ حول مفهوم المقاومة الشعبية (٥\٧)
مسألة الخيانة
في هذا المقال سنتناول تحدي حتمي أمام أي حركة ثورية مقاومة، وإذا ما لم تستعد القوي الثورية للتعامل مع هذا التحدي فسوف يكون السبب المباشر لفشلها كما حدث مع كثير منها حول العالم وأذكر منها هنا على سبيل المثال حركة ايلول الاسود الفلسطينية التي أصبح اعضاؤها يصفون بعضهم بعضاً نتيجة لهذا التحدي الا وهو مسألة الاتهام بالخيانة. وستكون مرجعياتي في هذه المسألة بعض الوثائق المعروفة في التراث السياسي الثوري السوداني وبعض ابجديات علم النفس الجنائي.
لندلف مباشرة الي متن الموضوع بطرح الاسئلة الرئيسية وأولاها هل من الواقعي تصور وجود منظمة ثورية خالية تماماً من الخونة والعملاء المزروعين بواسطة قوي الثورة المضادة بأشكالها المختلفة؟ وستكون الاجابة عندي بلا… ليست ثمة منظمة ثورية محصنة تماماً من الاختراق وهنا يأتي السؤال الثاني: هل ثمة جاسوس أو عميل قادر علي هزيمة وتدمير المنظمة الثورية؟.. والاجابة عندي ايضاً وبكل ثقة لا… فمن يدمر المنظمات الثورية هم أبناؤها المخلصون، وهنا يبرز التساؤل الكبير كيف ذلك؟…
والاجابة عندي بابتعادهم عن مبدأ العمل الجماعي وقواعد الصراع الفكري، فليس ثمة قضية فكرية أو سياسية أو تنظيمية على وجه هذه البسيطة عصية عن الحل أذا ما استدعينا روح العمل الجماعي واتبعنا قواعد الصراع الفكري الصحيح فيها، بل أن ما يجعل القضايا عصية عن الحل هو تجنب أو عدم الالتزام بمبدأ العمل الجماعي وقواعد الصراع الفكري وهذه بالضبط البيئة المثالية التي يعمل فيها الخائن ويزداد تأثيره. فمن يسعون بالنميمة وسط الرفاق ويكثرون من تخوينهم هم أول الخونة….. أقولها مرة اخري: من يسعون بالنميمة وسط الرفاق ويكثرون من تخوينهم هم أول الخونة… هذا من ابجديات علم النفس الجنائي.. فالمجرم يسعي دائما لاتهام الاخرين حتى لا ينكشف.
تقول وثيقة الماركسية وقضايا الثورة السودانية (ص 170- 171)
إن كثير من الرفاق يعبرون عن آرائهم وسط الشلل وخارج الاجتماعات الحزبية مما يجعل الاختلاف في الآراء غير مثمر ويضعف نمو حزبنا
… وتستمر الوثيقة في الشرح
وهي تعكس نمط الفكر الرجوازي الصغير الذي يرفض النقد والنقد الذاتي ويهرب منهما الي اسلوب الهمس، فيتحول صراع الافكار الي تذمر ونميمة. وخطورة هذا الضعف علي مستوي حياتنا الداخلية الحزبية يتضاعف إذا لاحظنا النشاط المحموم للدوائر الرجعية والمخابرات الاجنبية للنفاذ الي داخل الحزب الشيوعي ومحاولة نشر الارتباك في صفوفه حتي يتحول عن مهامه الاساسية فيتضاءل دوره ويتعطل سير الثورة الوطنية الديمقراطية.
إن استجابة الرفاق المخلصون للسموم التي يبثها العملاء والخونة بينهم بهدف ضرب الروح الرفاقية وبث روح البغضاء وعدم الثقة بينهم هو ما يدمر المنظمات الثورية، فالخائن لا يتبني موقفاً ولا يصدع برأي هو انسان يحب الظلمة ويدفع الاخرين لتبني مواقفه التي غالباً ما تكون غير منتجة في مسيرة الثورة ويغلب عليها الجانب غير المبدئي.
خلال الفترة الماضية من الملاحظ ارتفاع نغمة التخوين وتبادل الاتهامات بالعمالة وهي بالطبع ظواهر لا نستطيع انكار وجودها في أي عمل سياسي منذ فجر التاريخ، يقول يوليوس قيصر: ( أحب الخيانة وأكره الخونة)، نعم قد ينطبق هذا الوصف علي حلقة قيادية محدودة أو عدد محدود ومؤثر داخل مجموعة سياسية أو حزب سياسي ولكن لايعقل ان تكون مجموعات سياسية بكاملها هي عبارة عن ثلة من العملاء والخونة، ووضع كهذا يشي بان الإتهام بالخيانة قد بات أداة للإغتيال السياسي أكثر من كونه أداة لتنبيه الجماهير وحينما يتحول التخوين الي سلاح سياسي فأن أول من يستخدمه هم أعداء الثورة لضرب الثورة.
تقول وثيقة اصلاح الخطأ في العمل وسط الجماهير:
أصبح بعض الرفاق يطلقون الصفات على الناس دون مبرر، فهذا انتهازي وذلك جاسوس. بالطبع هناك الانتهازي وهناك الجاسوس، ولكن الانتهازية مسلك مستمر وموقف طبقي، والجاسوسية أمر لابد من الحذر والدقة والاقتصاد في الحكم عليها.
لقد أخطأ كثير من المناضلين من الجماهير في مواقف مختلفة، بل هاجم بعضهم الحزب الشيوعي، ولكونهم مناضلين بدأ تتكشف لهم الحقائق فنظروا في أفكارهم وانضموا الي صفوف الحزب الشيوعي عن اقتناع ومنهم اليوم مناضلون ثوريون. وهذه الأحكام العاجلة المبتسرة تصبح أخطر أثرا عندما تصدر من قادة حزبنا، وهناك بعض الرفاق في فصائل القيادة يسلكون هذا المسلك غير المسئول ازاء الجماهير، بل في بعض الأحيان ازاء الأعضاء (فيستثقلون) دم شخص دون ذنب جناه، ويذمون آخر ويجرحونه دون مراعاة لمراكزهم ومسئولياتهم. مثل هؤلاء الرفاق يخربون علاقات حزبنا بالجماهير ويهدمون مابني غيرهم في وجه صعوبات جمة، ويستجيبون لفردية البورجوازي الصغير الذي يعيش أسيرا لتعصبه ويبني احكامه علي النزوة الطائشة والعواطف الفجة.
أختم بهذة الفقرة من تلك الوثيقة العظيمة وأرجو أن أكون قد وفقت في توصيل الفكرة.