حوار هادئ حول المقاومة الشعبية (٦\٧)

يتوهم المحتل دائماً ان استخدام القوة ضد المواطنين العزل انما يشكل عنصر ردع لمن يقف في وجه سلطته شهدنا هذا الوهم بفلسطين والعراق واليمن ونشهده اليوم بولاية الجزيرة وولايات دارفور.

لكن الحقيقة هي أن العنف ضد السكان المدنيين هو في حقيقة الامر عامل محفز لتخلق ونمو حركات المقاومة الشعبية ضد المحتل وهو ما أكدته احداث قرية التكينة خلال الأسبوع المنصرم، حيث شهدت القرية أحداثاً لابد لنا من التوقف عندها والتأمل فيها حيث ظلت هذه القرية تصد محاولات مجموعات النهب المنتمية الي ميليشيا الدعم السريع والتي حاولت الدخول الي المدينة عدة مرات مستخدمين عدد محدود من الدراجات النارية، وحينما فشلت هذه المحاولات حاولت الميليشيا اقتحام القرية عبر متحرك مكون من سبعة مركبات قتالية من جهة الشرق جهة السوق، إلا أن أهالي المنطقة قد نجحوا أيضاً في التصدي لهذه المحاولة دون حدوث خسائر، وهنا جن جنون الميليشيا وعمدت الي اقتحام القرية من جهة الغرب بقيادة المدعو كيكل مستخدمين قوة كبيرة مكونة من 30 مركبة قتالية في محاولة لكسر إرادتهم وإجبارهم علي التعاون مع الميليشيا، إلا أن الأهالي قد قاموا أيضا بالتصدي لهم مما أدي الي وقوع مجزرة استشهد فيها حوالي 26 من الأهالي وقتل فيها 12 من عناصر الميليشيا.

التساؤل الذي يطرح نفسه مع هذه الواقعة وما سبقها من احداث بقرية الحرقة وغيرها هو هل سوف تؤدي هذه الأحداث الي تعزيز سلطة ميليشيا الدعم السريع على ولاية الجزيرة وبالتالي مزيد من تهجير السكان وأعمال النهب والانتهاكات؟، أم نحن إزاء أولي بوادر انطلاق المقاومة الشعبية داخل ولاية الجزيرة؟ …وما الذي يمكن تعلمه من هذه الواقعة نحو تطوير أدوات وأساليب عمل المقاومة الشعبية لتكون أكثر فعالية ولتجنب وقوع هذا العدد الكبير من الشهداء مستقبلاً.

في تقديري المتواضع أن هذه الواقعة سوف تشكل ضربة البداية أمام ظهور أشكال أكثر تنظيماً وتطوراً من المقاومة الشعبية تتجاوز بها حالة المقاومة الفردية المتفرقة ضد ميليشيا الدعم السريع. أيضاً لابد من التأكيد على أنه ولكي تنجح المقاومة الشعبية وتزداد فعاليتها فإنه لا ينبغي أن تستمر أشكال المقاومة داخل مدن وقري الجزيرة معزولة عن بعضها البعض، فلابد من التنسيق بين المجموعات المقاومة في مختلف مدن وقري الجزيرة كما ينبغي أن تسود روح التضامن والعمل المشترك بينهم.

كذلك على مجموعات المقاومة في كل بقعة من بقاع الجزيرة التعلم من تجارب بعضهم البعض وتطويرها ورصد وتحليل ردود أفعال العدو وقدرته على التحرك والاستجابة بحيث تكون المقاومة الشعبية قادرة على التبوء بردود افعاله وبالتالي الاستعداد لها.

هنا نجد ان بناء شبكة للرصد والمعلومات حول مناطق تواجد وتحركات وعتاد الميليشيا بما يشمل رصد خطوط إمدادهم ونمط الحياة الاجتماعية التي يعيشونها هي من المعلومات الضرورية التي ينبغي توفرها وتحديثها بصورة دورية لدي أي حركات المقاومة في كل منطقة.

أيضاً من المهم أن تحافظ مجموعات المقاومة الشعبية على استقلالها من أي قوة عسكرية أخري فالارتباط مع أي قوة مسلحة أخري قد يعرضها للاختراق على المستويين الأمني والسياسي كما عليها الابتعاد عن أي نزعة شعبوية فجميع سكان الجزيرة يعانون من صلف وبطش ميليشيا الدعم السريع كما أن مسئولية أولئك الذين تعاونوا مع هذه الميليشيا من أبناء الجزيرة هي مسئولية فردية لا علاقة لها بالمكونات الاجتماعية الموجودة في الجزيرة منذ سنوات طويلة ولا ينبغي أن تكون هذه الظاهرة مدخلاً لتمزيق النسيج الاجتماعي داخل منطقة الجزيرة.

في الختام فإنه من المرجح أن تشهد ولاية الجزيرة مزيداً من الصدامات بين الأهالي وعناصر ميليشيا الدعم السريع، ولكن التحدي هو في أي اتجاه سوف تتطور هذه الاحداث؟ هل سينجح مواطن الجزيرة صاحب الوعي السياسي المتقدم والتاريخ الطويل في بناء التنظيمات التعاونية واتحادات المزارعين في بناء حركة مقاومة شعبية تسير في الاتجاه الصحيح بما يفضي الي استلهام القيم الوطنية نحو مشروع وطني يوقف الحرب ويضع البلاد في طريق التنمية ويهزم معسكر الحرب بكل اطرافه الاقليمية والمحلية؟ أم يتقزم في اتجاه النعرات الشعبوية والجهوية والقبلية ويصب مزيدأً من الزيت الي نار الحرب المستعرة وذلك بالاستسلام لحالة الاستقطاب الحالية والانحياز لاحد أطرافها.

شارك بتعليقك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *