حوار هادئ حول مفهوم المقاومة الشعبية (٤\٧)

هذا المقال هو حلقة من سلسلة مقالات حول المقاومة الشعبية ولان المسافة قد طالت بين المقال الاول وهذا المقال سوف اعمل علي تلخيص المقالات السابقة في هذا المقال، حيث تحدثنا في المقال الاول عن أن بناء المقاومة الشعبية يتطلب ابتداءً اتخاذ الموقف الصحيح الرافض لأطرافها باعتبارهم جميعاً أذرع للإمبريالية العالمية والاقليمية كما بحدث المقال أيضاً عن شروط انحياز صغار الضباط والجنود لفصيل الثورة، وفي المقال الثاني تحدثنا عن ضرورة وحتمية الوعي الطبقي وهزيمة الدعوات الشعبوية والجهوية لنجاح مشروع المقاومة الشعبية، وفي المقال الثالث تطرقنا الي تجربة ثورية من الصومال الشقيق لشرح نقاط حرجة تتعلق ببناء المقاومة الشعبية وعلي راسها قضايا التمويل والامداد.

في هذا المقال سنتطرق لقضية أخري مهمة وهي بمثابة الروح التي تضمن حياة واستمرارية اي مشروع ثوري وبدونها لن تتقدم خطوة وهي مسألة مبدأ العمل الجماعي وبناء الروح الرفاقية.

بالعودة الي مسألة الصراع الطبقي، يحدثنا التاريخ بان نجاح الحركات الثورية يعتمد على قدرة الطبقات الفقيرة والمسحوقة على التوحد خلف مشروع ثوري يصب في صالحها وينجح في مواجهة وهزيمة المشروعات البرجوازية التي غالباً ما تتستر خلف الشعارات الوطنية أو الشعبوية أو التنموية أو تحت دعوات الاندماج في النظام العالمي وغيرها من الشعارات.

المنطق من وراء ذلك بسيط جدا، ففي عالم اليوم نجد أن اي مجموعة سكانية طبيعية تتكون في غالبيتها العظمي من الطبقات الفقيرة والمسحوقة بينما نجد ان الطبقة البرجوازية المسيطرة محدودة العدد وبالتالي فإن الطبقات البرجوازية ولضمان سيطرتها لابد لها من وسيلة لكسب تأييد فئات معينة من الطبقات الفقيرة والمسحوقة وعلي راسهم قادة الجيش والمؤسسات الامنية والقادة السياسيين وقادة العشائر والقبائل والقادة النقابيون وغيرهم، وذلك خلف ستار الوحدة الوطنية والاندماج في النظام العالمي وبناء الديمقراطية وغيرها.

أما الثوريون فلكي ينجح مشروعهم فلابد لهم من عدم الوقوع في أحابيل المشروعات البرجوازية فهم ليسوا في حاجة لها فلديهم أكبر احتياطي بشري طبيعي للثورة، وهؤلاء هم الاحق والاولي بالنقاش والاقناع ومن ثم التنظيم.

هذا هو الواجب الرئيس أمام القوي الثورية وهذا لا يعني بالطبع التجاهل التام للمشروعات البرجوازية، فلا ننسي أن الة الدعاية البرجوازية من القوة بما لا يقاس مع الالة الدعائية الثورية ولديها قدرة كبيرة على التأثير على وعي الجماهير بل والقادة السياسيون والمجتمعيون انفسهم.

أن الموقف الصحيح للقوي الثورية إزاء هذا الوضع ان أن تقوم القوي الثورية بانتداب مجموعة محدودة من المثقفين الثوريين للتصدي ودحض المشروعات البرجوازية على ان يوجه الجهد الفكري والسياسي الاكبر نحو بث الوعي الطبقي والسياسي وسط الطبقات الفقيرة والمسحوقة فذلك هو الواجب الرئيس الذي يضمن نجاح الثورة.

باسقاط هذا النموذج على الواقع السوداني فإننا نجد وللأسف أن جُل المجموعات الثورية تبذل القسم الاكبر من وقتها وجهدها في الصراع والهتر مع المشروعات البرجوازية التي تعج بها الساحة السياسية اليوم، وهذا محض اضاعة للوقت ولا ينجز ثورة، ولو تم بذل بعض هذا الجهد بين الطبقات الفقيرة والمسحوقة (اصحاب المصلحة الحقيقيين) لكان الفارق كبيراً ولما وصلنا اليوم الي هذا الوضع.

كذلك نجد انه من المخاطر الكبيرة إضاعة الفرص أمام بناء الكتلة الثورية الحرجة القادرة علي انجاز الثورة وذلك عن طريق الصراعات غير المبدئية علي القيادة سواءً داخل المجموعات الثورية والتوهم بأنه من الممكن لمجموعة ثورية واحدة أن تتولي قيادة الثورة علي ان تتحول بقية المجموعات الي مجموعات رديفة لهذه المجموعة القائدة وذلك في تناسي كامل لمبدأ العمل الجماعي الذي هو اساس العمل الثوري ويتجاهل الثوريون البدائيون هنا الارث اللينيني الملهم الذي تطور مع مسيرة الحركة الثورية العالمية ومن ضمنها السودان حول مبدأ القيادة الجماعية وقواعد إدارة الصراع الفكري داخل المؤسسات الثورية، ذلك الارث العظيم الذي قد حرص من تولوا تأهيلنا داخل حزبنا الثوري علي تعليمنا أياه منذ اليوم الأول.

إن بناء حركة ثورية متماسكة يتطلب عناصر ثورية متماسكة متعاضدة متضامنة يكون الفرد فيها على استعداد لتلقي الرصاصة بدلاً عن رفيقه وعن مؤسسته الثورية. فليس ثمة ثورة انتصرت وعناصرها الثورية متنافرة إن بناء حركة ثورية متماسكة يتطلب عناصر ثورية متماسكة متعاضدة متضامنة يكون الفرد فيها على استعداد لتلقي الرصاصة بدلاً عن رفيقه وعن مؤسسته الثورية. فليس ثمة ثورة انتصرت وعناصرها الثورية متنافرة ويتربص بعضها بالآخر.

إن الروح الرفاقية والتضامن والاخوة الثورية هي من الشروط اللازمة لمبدأ العمل الجماعي فمبدأ العمل الجماعي يتطلب عناصر ثورية شجاعة قادرة علي المواجهة في الهواء الطلق وبروح رفاقية عالية وينسحب ذلك علي جميع المستويات قيادية كانت أم قاعدية، فالثوري ينبذ الأساليب البرجوازية مثل الاتصالات الجانبية وبناء مجموعات الضغط والتكتلات والعمل في الدهاليز داخل المؤسسات الثورية، فهذا وإن ضمن انتصاراً مؤقتاً إلا انه يضمن ايضاً فناء المؤسسة الثورية ككل، وأنا لا أكاد أن اري حركة مقاومة شعبية قادرة علي النجاح دون الالتزام الصارم بمبدأ العمل الجماعي الذي من مطلوباته سيادة الروح الرفاقية.

شارك بتعليقك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *