ما يحدث في الجزيرة من منظور استراتيجي عسكري

حكاية من قرية العنصريين العميان

في قصة ساخرة من وحي الخيال، يحكي أن طفلاً اسود اعمي قد نشأ في قرية لـ العميان البيض العنصريين، ولان الجميع غير مبصر لم يدرك اهل القرية أن طفلاً اسوداً يعيش بينهم، عندما دخل الطفل الاسود المدرسة اظهر ايماناً كبيراً بالعنصرية وكراهية السود كما اظهر قدرة كبيرة على مخاطبة الجموع وإقناعهم بقضية العنصرية الي درجة انه قد اختير رئيساً لجمعية العنصريين الشباب في القرية وأصبح الجميع مدركاً ان هذا الطفل د سوف يكون له مستقبل سياسي كبير في قرية العنصريين العميان.

في أحد الايام قرر الطفل الاسود الذي أصبح شاباً يافعاً الذهاب في جولة للتعرف على القري المجاورة التي لم يكن سكانها من العميان. وفي إحدى القري وبينما كان يهم بركوب الحافلة أبدى أحد الركاب الحافلة العنصريين تذمره من ركوب رجل اسود معهم في الحافلة، فور حينما سمع طفلنا الاسود ذلك التعليق انتفخت أوداجه وتلي خطبة عصماء تنضح بالعنصرية وكراهية السود وسط دهشة جميع الركاب فهو من كان مقصوداً بهذا التعليق.

تذكرت هذه القصة وأنا اتابع ما حدث ويحدث في ولاية الجزيرة، فمنذ اندلاع الحرب ظللنا نتحدث عن الاحترافية في العمل العسكري والامني، ولكنني اليوم اتساءل هل يدرك من نتحدث إليهم معني الاحترافية والمهنية في العمل العسكري والامني؟ … هل رأوا من قبل ضابطا محترفاً؟ … كيف يفكر … كيف يتصرف؟، أم ان حالهم كحال قرية العميان التي تكره السود دون ان يكون لديها ادني تصور عن ماهية الرجل الاسود الي درجة ان نصبوا عليهم قائداً اسود.

لتنذكر انه ومنذ الاول من يوليو 1989م قد صعد علي قيادة القوات المسلحة السودانية ضابط في رتبة العميد هو العميد عمر البشير، وسيطر علي وزارة الدفاع ضابط في رتبة الرائد هو الرائد ابراهيم شمس الدين، وبالتالي تكون تصورات الجيش عن القيادة الاستراتيجية والتنظيم الاستراتيجي والقيادة الاستراتيجية قد توقفت عند تصورات ضابط في رتبة العميد كما أن قد قيادة الجيش طوال سنوات الانقاذ كانت تأتمر بأمر حلقة أمنية مجرمة لحزب سياسي لديه سياسة معلنة لإفراغ القوات المسلحة من مضموناه الاحترافي وتحويلها الي مؤسسات ايديولوجية طويلة اللحي لا تعرف غير قمع المدنيين لضمان دولة مشروعهم الحضاري.

أجزم ان كلا الطرفين (الجيش والدعم السريع) في حالة دهشة كبيرة من السرعة التي تم بها الأمر في ولاية الجزيرة، ولكنني أجزم ايضاً انهم لا يدركون انه وبنفس تلك السرعة سوف تتفكك قوات الطرفين.

لن يقبل الرأي العام داخل الجيش هذا الانسحاب وسوف يلوم الضباط والافراد قادتهم ولكن سيكون هذا اللوم للأسباب الخطأ ومن باب ابراء الذمة ولوم الاخر، أما القيادة فسوف تعمل علي امتصاص هذا الغضب بتنفيذ نصائح فطيرة ومتطرفة سوف تصدر من بعض الضباط والتي ستزيد الطين بلة وتفاقم حالة انعدام الثقة في القرار الاستراتيجي داخل الجيش وسيلجأ كل قائد علي الانفراد بالقرار داخل قيادته وسرعات ما سيضطرون الي وتأمين الموارد لقواتهم بعيداً عن قيادة الجيش مما سيعني في نهاية المطاف تفكك القوات المسلحة وتحولها هي الأخرى الي ميليشيات ومن يقرأ هذا المقال من الضباط احيله الي تجربة عبدالله فارح عيديد في بدايات الحرب الاهلية الصومالية.

أما الدعم السريع فقد ظهر جلياً ان القيادة على المستوي العملياتي الان في ايدي مجموعة من أمراء الحرب تفتقر للخلفية العسكرية وهذه مجموعات لا تعرف معني القيادة والسيطرة الاستراتيجية ويتوقف فهمهم عند حد إدارة بضع مئات من المقاتلين للسيطرة علي رقعة جغرافية محدودة ومن ثم تركها الي منطقة أخري متي ما جفت من الموارد، مما يعني تفكك هذه الميلشيا الي جيوب ومجموعات صغيرة.

أيضاً لكل فعل رد فعل… وأهلنا في دافور الذين يشكلون حواضن اجتماعية وقبلية للدعم السريع هم اليوم أمام خطر ماحق… أذا تكررت عمليات النهب والقتل والاغتصاب في الجزيرة سوف يتم تحميلهم وزر هذا الأمر وسوف يتم استهدافهم في اي رقعة يتواجدون فيها علي أرض السودان أو خارجه، وسوف لن يقوي الدعم السريع ولا أي قوة اخري علي حمايتهم لانهم سوف يتم استهدافهم من كل المكونات الاجتماعية والقبلية التي تنظر اليهم كمصدر خطر علي كل الاقليم وليس السودان وحده وإني جد مشفق من اليوم الذي نشهد فيه تواطؤ دول وجيوش نظامية علي قتل وإبادة جزء من أهلنا في دافور بطريقة تشبه التواطؤ الذي تم به نفي الزبير باشا الي جزيرة كريت…. أناشد الجميع الانتباه الي المحرقة التي تقود ميليشيا الدعم السريع مكون اجتماعي عزيز علينا اليها.

إذن ما العمل؟

الجيش

هناك خطر كبير يتهدد وحدة الجيش ما لم تتدارك قيادته الامر عاجلاً وذلك بوضع خطة اسعافية عاجلة لإعادة ترتيب الاوضاع وتنحية الطاقم القيادي الحالي واحلالهم بضباط مقبولين داخل الجيش وأهم من ذلك أن تقوم القيادة الجديدة تصفية مراكز نفوذ الاسلاميين داخل الجيش وأن تستعين بخبراء حقيقيين في مجال التنظيم والسيطرة والقيادة الاستراتيجية لتدارك الوضع داخل الجيش مهما بلغت التضحيات.

وقبل كل هذا وذاك لابد من خلق حالة من الوحدة وسط الضباط والجنود خلف هذه الإجراءات (ابعاد الاسلاميين وإعادة تنظيم وترتيب الاوضاع داخل القوات المسلحة)

الدعم السريع

ليس للدعم السريع أي مستقبل على المستوي الوطني أو الاقليمي، كما قيادة الدعم السريع غير مؤهلة لإدارة هذه الرقعة الجغرافية الواسعة (الخرطوم- الجزيرة- كردفان – دارفور) وسيحدث معها ما حدث مع أول قائد ميليشيا في التاريخ (الاسكندر الاكبر) والذي تحول جيشه الي جيوب مستقلة عن بعضها البعض نتيجة لاتساع الرقعة الجغرافية التي سيطر عليها بما يفوق قدرته علي ادارتها ففقد في خاتمة المطاف جيشه والارض التي سيطر عليها بل وحتي عاصمته.

علي ضباط الدعم السريع ذوي الخلفية العسكرية، تدارك الامر قبل أن يفلت من ايديهم عليهم استخدام ما تبقي بأيديهم من نفوذ لوقف التوسع في العمليات العسكرية واعادة تجميع وانتشار المقاتلين والقبول بمبدأ التسريح واعادة الدمج، وحصر تفاوضهم مع جميع الاطراف في قضيتين فقط: ترتيبات وقف اطلاق النار وشروط نزع السلاح والتسريح وإعادة الدمج.

هذا هو حديث الوطنية والاحتراف وما دونه فهو مجرد تصورات خاطئة من قرية العنصريين العميان.

 

شارك بتعليقك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *