اصلاح العمل الطوعي كمدخل للخروج من مستنقع المساعدات الإنسانية

تحدثنا في مقال سابق عن أزمة العمل الطوعي في السودان وكيف أنه تحول وبتخطيط وتدبير من قوي الهيمنة النيو ليبرالية الي نمط من العمل غير الجماهيري المنبت عن قواعده.

هذا المقال محاولة لتلمس الطريق نحو اصلاح العمل الطوعي في السودان ليكون رافعة حقيقية للتنمية والرفاه الاجتماعي. لا يمتلك المقال ولا كاتبه رؤية متكاملة لعملية الاصلاح فتلك عملية تحتاج الي جهد جماعي من العاملين في هذا الحقل أنفسهم والتنظيمات الجماهيرية الممثلة للمجتمعات المحلية والفئات الاجتماعية المختلفة، كما يحتاج الامر ايضاً الي حكومة واعية بدورها ولا يضرب الفساد وذهنية نهب الموارد عظم الظهر منها.

إن اي خطة ناجحة لإصلاح العمل الطوعي لابد أن تنبني علي اتفاق ووضوح واستيعاب لقضية رئيسية وهي أن مسألة التنمية وتوفير الخدمات الاساسية هي مسؤولية الدولة في المقام الاول. ذلك هو الاساس لاي عقد اجتماعي مستدام قادر علي تأسيس نهضة هذا الشعب. وهذه الرسالة موجهة للسياسيين السودانيين في المقام الاول قبل ان توجه الي العاملين في المنظمات الطوعية، فهناك سياسيين يرغبون في الحكم مع التخفيف من واجبات الحكم وعلي رأسها توفير الخدمات الاساسية للمواطن عبر القاء هذه المهام علي عاتق المنظمات الطوعية والمانحين، وهذا موقف خطأ ومعادي لطريق التنمية والتطور في البلاد.

اود ان اشير هنا الي انه وحسب تقارير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (The Organization for Economic Cooperation and Development)  فإن ما دفعه الممولون لتمويل مشرعات التنمية في السودان خلال العقد المنصرم يفوق الخمس مليارات دولار ولكن وللأسف نلاحظ أن الاثر التنموي لا يتناسب وحجم هذه المبالغ الطائلة والسبب في تقديري هو غياب المشروع التنموي المتكامل ورغبة الممولين في اتباع النموذج النيو ليبرالي الذي يتبع سياسة إطفاء الحرائق للتخفيف من غلواء الفقر الناجم عن عمليات نهب الموارد حيث يعطي شعوب الجنوب الفقيرة السمك ولكنه لا يعلمهم كيف يصطادونه.

بالتالي فالموقف الصحيح هو أن تصيغ الدولة خطتها للتنمية بالتشاور مع المجتمعات المحلية والمكونات الاجتماعية المختلفة ومن ثم يقوم المانحون بمساعدة الدولة في تنفيذ خطتها وتقوم الدولة بتمويل المنظمات الطوعية لتنفيذ الانشطة الواردة في الخطة.

هنا لابد لنا من الاعتراف بوجود جملة من العوائق الحقيقية التي تواجه هذا النموذج والتي يمكن تلخيصها في الاتي:

  1. عائق ايديولوجي: لا تحب قوي الهيمنة النيو ليبرالية التعامل مع الحكومات لان ذلك يتعارض مع ايديولوجيا المجتمع المفتوح حيث يقتضي تمويل الحكومات وجود خطة جمعية ذات بعد شعبي.
  2. عائق مرتبط بطبيعة السلطة: علي مستوي السلطة نجد ان حكوماتنا تعاني من مشكلة مركبة فهي أولاً ليست لديها قنوات صحية وديمقراطية للتواصل مع المجتمعات المحلية والفئات الاجتماعية المختلفة وثانياً هي ليست لديها خطة تنموية تتمتع بالسند الشعبي النابع عن مشاركة المجتمعات فيها ولا نظام ضريبي يساعد في تنمية المجتمعات المحلية والمبادرات المجتمعية، وثالثاُ هي حكومات فاسدة بامتياز تؤمن بان إستخدام موارد الدولة هو الوسيلة لضمان نفوذها السياسي واستمرار مستقبلها السياسي .
  3. عائق إرادة: الكثير من العاملين في المنظمات الطوعية غير الجماهيرية ليست لديهم إرادة للتحول الي منظمات جماهيرية، فالعمل غير الجماهيري اسهل ويحتاج الي اشخاص أقل ويسهل إدارته بطريقة فردية، كما يقلل من فرص الاصطدام بين مصالح المانحين واصحاب المصلحة حيث يسهل تغييب اصحاب المصلحة لصالح رؤية وإرادة الممول، وهو أمر لايحدث دائما بسوء نية بل غالباً ما يحدث نتيجة الاعتقاد الخاطئ السائد وسط العاملين بالمنظمات الطوعية بان الممول هو الطرف الاقوي في المعادلة كما أنه الاكثر معرفة ودراية ببواطن الامور ولا ننسي في الخلفية أنه هو الشخص الذي يدفع الرواتب وهو مصدر اللمعان الاجتماعي الذي يتمتع به العاملون في المنظمات الطوعية.

إذن ما العمل؟

أولاً: على المدي البعيد:

  1. ينبغي علينا العمل علي بناء حكومة تضطلع بمسؤولياتها تجاه المواطن خصوصاً في مجالات التنمية الاجتماعية وتوفير الحقوق والخدمات الاساسية للمواطن. هذه الحكومة عليها واجب صياغة خطة تنموية ذات محتوي اجتماعي بمعني تسخير موارد البلاد في نشاط اقتصادي يشارك فيه أكبر عدد من أبناء الشعب وتتوزع عائداته بينهم بصورة عادلة.
  2. تضع الدولة سياسة عادلة للعمل الطوعي بالتشاور مع المنظمات الطوعية ويتم فيها تحديد أولويات النشاط حسب خطة الدولة التنموية وتدعم الدولة النشاط الطوعي لهذه المنظمات عبر اصلاح النظام الضريبي وأيضا قيام الدولة بتوفير الدعم المباشر للمنظمات، بمعني أن تدخل الدولة نفسها كمانح رئيسي للمنظمات.

ثانياً: على المدي القصير:

  1. لابد من تجسير الهوة بين المنظمات الجماهيرية والمنظمات غير الجماهيرية وتصحيح الوضع بحيث تتولي المنظمات الجماهيرية زمام المبادرة وتحديد الاولويات في البرامج والمشاريع، فمن غير المعقول أن تتولي منظمة غير جماهيرية لاتتجاوز عضويتها بضع موظفين كتابة مقترح لتطوير العمل داخل لجان المقاومة، الصحيح هو ان تقوم لجان المقاومة بكتابة تصورها عن تطوير العمل داخلها وتحديد البرامج والاولويات ليقتصر دور المنظمات غير الجماهيرية الي مجرد مكتب فني استشاري لتصميم الانشطة وكتابة المقترحات والنصح في الامور المتعلقة بتحديد الممولين وطرق التمويل وفق قيم الشفافية والمحاسبية وسيادة حكم القانون
  2. علي المنظمات الجماهيرية شحذ واستنهاض القدرات الباطنية لمجتمعاتها عبر اليات الجهد الشعبي والعون الذاتي والتعاونيات وعلي نطاق اصغر اليات النفير والختة والكشف والتي درجت المجتمعات المحلية ومنذ زمن طويل علي اتباعها كوسيلة للتصدي للازمات التي تواجهها. أهمية هذا الاسلوب تكمن في ان تمويل الانشطة يكون من داخل المجتمعات التي يتم تنفيذها فيها كما تقوي موقف المنظمات الجماهيرية في مواجهة المنظمات غير الجماهيرية والمانحين.

ختاماً هذه في عجالة ملامح لخارطة طريق غير مكتملة لإصلاح الاوضاع داخل فضاء العمل الطوعي هي رؤية نطرحها للعاملين في العمل الطوعي بشقيه الجماهيري وغير الجماهيري من اجل التوافق على أجندة وطنية وخارطة طريق تعالج مسألة تمويل الانشطة الطوعية وفق أجندة وأولويات وطنية تخدم قضية التنمية.

 

شارك بتعليقك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *