هل ستكرر قحت تجربة مجلس الحكم العراقي سنة 2003م

خلال الاسبوعين المنصرمين تسيّدت الاخبار ثلاث احداث رئيسية: تدمير جسر شمبات وجسر خزان جبل الأولياء، زيارة الفريق البرهان لكينيا، والمؤتمر الصحفي لقادة الميليشيات الموالية للبرهان وقيادة الجيش.

سنحاول ايجاد الرابط الخفي بين هذه الاحداث الثلاثة والتي تبدو وللوهلة الاولي لا يربط بينها اي رابط. لكن لمن ينظر بتمعن الي تلك الاحداث يكتشف انها تعكس حالة يأس وقنوط من جانب طرفي الحرب فتواطؤ طرفي الحرب علي الصمت واكتفائهم بإصدار بيانات مقتضبة تلقي باللوم علي الطرف الاخر تعكس نية كليهما الي خلق حالة من الـلا حرب والـلا سلم طويلة الامد داخل الخرطوم، وجعلها مدينة غير قابلة للحياة، ذلك بعد ان فشل كليهما في إدارة حرب احترافية تؤدي كسب المعركة في الخرطوم.

أما ذهاب البرهان الي نيروبي لمقابلة الرئيس الكيني وسعية للتصالح معه فهو ايضاَ يعكس حالة من اليأس والقنوط من منبر جدة، لا ننسي ان المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الامريكية قد فشلتا في التوسط وايجاد صيغة سلام مستدام في عدد كبير من الدول مثل العراق وليبيا وسوريا واليمن، وادي ذلك الفشل الي اجبارهما على التدخل العسكري المباشر في تلك الدول، وهو خطر علي البرهان وبقية قادة الجيش يجب التحسب له عبر كسب منابر ومظلات سياسية بديلة.

كذلك نجد ان الصيغة التي يدار بها المنبر نفسه هي صيغة غير قابلة للاستدامة، فكيف يعقل أن ينحصر أمر التفاوض علي وقف اطلاق النار وفتح الممرات الامنة وايصال المساعدات فقط بين قيادتي الجيش والدعم السريع!.. من سوف يراقب وقف اطلاق النار علي الارض؟…. ومن سوف يستخدم هذه الممرات الامنة لإيصال المساعدات الي مستحقيها؟ … هل الجيش والدعم السريع مؤهلون للاطلاع بهذه المهام أم هي مهام يطلع بها المدنيون بطبيعة الحال؟!.

يبدوا اصحاب المبادرة الامريكية السعودية قد انتبهوا أخيراً لهذه الفجوة فاعطوا الضوء الاخضر لانعقاد مؤتمر القضايا الانسانية في القاهرة لتلمس مواقف القوي المدنية فيما يجري بجدة حيث من غير المنطقي أن تأتي القوي المدنية لتبصم فقط على ما يتفق عليه الجيش والدعم السريع في ملفات مهمة وتقع في صميم العمل المدني مثل مراقبة وقف اطلاق النار وتوصيل المساعدات الانسانية للمتضررين وجهود إعادة الاعمار.

هذا الوضع جعل طرفي الحرب يدركون ان منبر جدة ينقصه الكثير حتى تتوفر لديه القدرة على ايجاد صيغة سلام مستدام بالسودان كما أن اللاعبين الدوليين قد يدفعون الامر الي الاسوأ بعدم جاهزيتهم تلك كما حدث في العراق واليمن وليبيا وبالتالي فإن عليهم تحضير أنفسهم لأسوأ السيناريوهات.

كذلك نجد المؤتمر الصحفي لقادة الميليشيات الموالية للجيش والتي انحازت للجيش في صراعه ضد ميليشيا الدعم السريع، وهو بدوره يعكس حالة من اليأس داخل الجيش من قدرته على حسم المعركة العسكرية في دارفور بصورة نظيفة، ولجوئه الي السيناريو الأثير لديه وهو استخدام قسم من المليشيات لضرب القسم الاخر، وهو اسلوب ايضاً يشير الي ان الجيش قد قرر تحويل اقليم دارفور الي ساحة حرب طويلة الأمد، بل ولا استبعد أن الجيش يقوم عملياً باستدراج ميليشيا الدعم السريع الي دافور بهدف حصر المعركة هناك.

بهذا المؤتمر تكون معظم المليشيات قد حسمت موقفها الي جانب الجيش وهيأت نفسها هي الأخرى لحرب طويلة تحتاج فيها الي حواضنها الاجتماعية في الاقليم والتي اصبحت مهددة بفعل النشاط العسكري الاجرامي للدعم السريع.

علي الرغم من عدم احترافيتهم وفشلهم الذريع في جبهة العمل العسكري، يبدو ان أداء قادة مؤسساتنا العسكرية والامنية والميليشيات أفضل من أداء سياسيينا في جبهة العمل السياسي، فهم قد أدركوا باكراً عدم توفر الارادة الكافية لوقف الحرب لدي اللاعبين الدوليين فأصبحوا يتجاهلونهم ويتبعون معهم سياسة كسب الوقت واللعب علي الحبال، وركزوا علي تقوية موقفهم العسكري ومصادر قوتهم بما يضمن لهم الاستمرار في الحرب لأطول فترة ممكنة.

إذن فاليأس من كسب الحرب والاستعداد لخوض حرب طويلة الامد هو الخيار الذي يسعي اليه طرفا الحرب وهو خيار فرضته حالة الاجهاد والفوضى وعدم الاحترافية التي يعاني منها كل من الجيش وميليشيا الدعم السريع. وهو خيار يتطلب الرجوع الي الحواضن الاجتماعية الرجعية مثل المنطقة والقبيلة والعرق.

في المقابل ترك سياسيونا ميدان العمل السياسي الذي هو ميدان معركتهم ومصدر قوتهم الرئيس وراهنوا على اللاعبين الدوليين.

كان الاجدر بسياسيينا تقوية نفوذهم السياسي بدعم المجموعات الناشطة على الارض والتصالح معها وايجاد صيغة لتنسيق الجهود وبناء اجندة مشتركة معهم. ولكنهم وللأسف بدلاً من ذلك تعاملوا مع هذه المجموعات بصلف وكالوا لها الاتهامات وتجاهلوا ما انتجوه من وثائق ورؤى متوهمين انهم في إمكانهم بناء عملية سلام قادرة علي الاستدامة دون استصحاب رؤية ودعم ومشاركة القواعد الشعبية الموجودة علي الارض.

أذكر نفسي وإياكم يا سياسيي قحت والقوي التي تدور في فلكها…

لا تكرروا تجربة مجلس الحكم الانتقالي العراقي في 2003م حتى لا نزج بشعبنا في دوامة عنف افظع وحتي لا نلقي مصير سياسيين عراقيين أمثال أحمد الجلبي وعدنان الباجه جي واياد علاوي الذين ظنوا أن في مقدورهم حكم العراق وتحقيق السلام فيه عبر الدعم الامريكي فقط دون الشعب العراقي فكانت النتيجة وبالاً عليهم وعلي شعبهم.

ألا هل بلغت… اللهم فاشهد

شارك بتعليقك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *