كيف نقرأ عملية طوفان الأقصى من منظور استراتيجي

في يوم السبت الموافق 7/10/2023م قامت حركة حماس وعدد من الفصائل الفلسطينية الأخرى بأطلاق خمسة الاف صاروخ في عملية نوعية استهدفت وبشكل متزامن أكثر من خمسين موقعا عسكرياً تابعاً للجيش الاسرائيلي في منطقة غلاف غزة، وهي المنطقة الفاصلة جغرافياً بين قطاع غزة والضفة الغربية وهي منطقة قد عمدت اسرائيل منذ اتفاقية اوسلو علي تقويتها عسكرياً وبناء مستوطنات حصينة بها لتكون عازلاً بين الضفة الغربية وقطاع غزة واهم تلك المستوطنات مستوطنتي سيدروت وهي المستوطنة الاقرب لقطاع غزة ومستوطنة زيكيم الواقعة شمال صحراء النقب وتوجد بها مصفاة للبترول ومحطة كهرباء وقاعدة عسكرية مطلة علي البحر الابيض المتوسط.

تشير تصريحات قادة حماس الي أن هدف هذه العملية العسكرية هو ابطال الاجراءات التي قامت بها اسرائيل نحو عزل قطاع غزة عن الضفة الغربية حيث صرح صالح العاروري نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس ان هدف العملية هو الدفاع عن المسجد الأقصى وتحرير الاسري، كما صرح اسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس ان هذه العملية قد انطلقت من غزة، ولكنها سوف تمتد الي الضفة الغربية وكل مكان يتواجد فيه الشعب الفلسطيني.

هنا لابد من الاشارة الي طبيعة الدور الذي تلعبه حركة حماس وغيرها من الفصائل الاسلامية في هذا الصراع والذي هو في حقيقة الامر دوراً ذو محتوي وطني تحرري أكثر كونه تجسيداً للأيديولوجيا الدينية التي تتبناها هذه الفصائل، فليس كل سكان غزة اسلاميون، ولكنهم جميعاً خلف حماس لأنهم يتطلعون للتحرر وهزيمة المحتل وتلك هي القضية الاهم بالنسبة اليهم، وهنا احيلكم الي تجربة المناضل سمير القنطار شيخ الاسري بالسجون الاسرائيلية والتي ولجها مناضلا ذو خلفية يسارية قومية وخرج منها مناضلاً اقرب الي حزب الله.

تظل عملية طوفان الأقصى ومن ناحية عسكرية عملية عادية في سياق الصراع الفلسطيني الاسرائيلي بعيد انتفاضة الأقصى في نهاية عقد الثمانينات وحتى الان، لولا وقوع حدثين شكلا تطوراً استراتيجياً مهما في مسيرة الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، الأول هو فشل القبة الحديدية في صد الضربة العسكرية الاولي التي وجهتها حماس للغلاف العازل ومناطق اخري في العمق الاسرائيلي والحدث الثاني هو وصول البارجة الامريكية جيرالد فورد الي شواطئ غزة.

حتى لحظة بداية عملية طوفان الأقصى كانت القبة الحديدية تعتبر واحدة من ايقونات منظومات الدفاع الجوي مثلها مثل منظومة صواريخ S500 وS400 الروسية ومنظومات صواريخ باتريوت الامريكية الا ان هذا الفشل الذي شهدته في السابع من اكتوبر الجاري في خانة الاسلحة التي في حاجة الي الكثير من المراجعة والتطوير.

كذلك نجد أن مسارعة الولايات المتحدة الامريكية بإرسال البارجة جيرالد فورد الي شواطئ غزة يشير بوضوح الي حالة الفشل الامني والتكنولوجي الذي عانت منه المنظومة الامنية الاسرائيلية في مواجهة التفوق التكنولوجي والمعلوماتي الذي اظهرته حماس وبقية الفصائل الفلسطينية المتحالفة معها في تنسيق وادارة هذه العملية، فالبارجة جيرالد فورد ليست مجرد حاملة طائرات تقليدية فهي مزودة بأنظمة رادار للرصد والمتابعة والتشويش الالكتروني علي قدر كبير من التطور بما يساعد في عمليات القيادة والسيطرة .

من ناحية استراتيجية فقد اعاد هذان الحدثان تقزيم حجم اسرائيل من قوة اقليمية مهيمنة الي محمية عسكرية امريكية عاجزة عن حماية نفسها أو مواجهة التحديات الامنية داخلها دون تدخل امريكي مباشر، وبالتالي فإنها قد تراجعت لتشغل موقعاً في نفس الصف الذي تتواجد فيه دول مثل المملكة العربية السعودية والامارات العربية المتحدة الكويت والاردن بينما تقدمت إيران لتشغل موقعاً موازياً لذات الموقع الذي كانت تشغله اسرائيل في خارطة النفوذ الاستراتيجي قبل عملية طوفان الأقصى وتلك خارطة اشبه بلعبة السلم والثعبان.

اما أكبر الخاسرين في المنطقة فهي دولة الامارات العربية المتحدة والتي قامت بتبني اتفاقيات التطبيع والمسماة بـالاتفاقيات الابراهيمية، بل واجبرت عدد من الدول الأخرى مثل البحرين والسودان والمغرب علي الانضمام اليها. إنه لمن المؤسف حقاً ان ينقلب قادة هذه الدولة علي سياسة عدم التدخل والاعتداء والتي انتهجها والدهم مؤسس الدولة ليحولوا الامارات الي دولة معتدية بامتياز ولا تتورع من ايذاء الدول والشعوب من حولها متناسين ان ضريبة الاعتداء علي الشعوب الاضعف هي مزيد من التبعية والخضوع للدول الأقوى حتي اصبحت الامارات وبعد أن كسبت عداء معظم شعوب المنطقة وعلي رأسها مصر والسودان وليبيا واليمن وسوريا واثيوبيا وتشاد والصومال ولازال الحبل علي الجرار، مضطرة الي التطبيع مع أكثر الدول عنصرية واعتداء مثل اسرائيل، واجبرت علي تبني حلف خاسر معاد للسلام والشعوب وضد مصلحة الامارات نفسها.

بالنسبة الينا في السودان فقد اكدت عملية طوفان الأقصى خلط التقديرات والمبررات التي حاول قادة منظومتنا العسكرية والامنية غير المحترفين ومجموعة السياسيين التابعين للإمارات تسويقها لشعبنا بقبولهم مبدأ التطبيع مع اسرائيل والتوقيع على الاتفاقيات الابراهيمية للشعب السوداني. فقد توهم قادة منظومتنا العسكرية والامنية ان التطبيع مع اسرائيل هو إحدى الضمانات لحماية الامن القومي السوداني بالمخالفة للعقيدة العسكرية والامنية السائدة والتي تعتبر اسرائيل واحدة من أكبر مهددات الامن القومي السوداني، كذلك حاول دعاة التطبيع من طبقة السياسيين المتهافتين قصيري النظر تسويق فرضية ان التطبيع هو واحدة من الشروط الضرورية لفتح الطريق امام اندماج السودان في المجتمع الدولي وبالتالي حصوله علي التمويل والمساعدات.

من المتوقع أن تشجع عملية طوفان الأقصى قادة مؤسستنا العسكرية وقادة المليشيا الذين يمكن وصفهم بالانتهازية وعدم الاحتراف والذين يخوضون حرباً بالوكالة ضد شعبهم مدعومين بواسطة مجموعات من الاسلاميين الذين تشرذموا وتفرقت بهم السبل بعد نجاح الشعب السوداني من ازاحتهم من السلطة في ديسمبر 2019م في التفكير بإعادة مد حبال الوصل مع القيادة الايرانية خصوصاً وأن اسرائيل قد تعاملت معهم بعقلية التاجر المرتزق الذي يبيع بضاعته لكل من يدفع حتى وإن أدي ذلك الي الاضرار بمصالح زبائنه الاخرين.

ختاماً ومن ناحية استراتيجية فإنه يمكن وصف عملية طوفان الأقصى باعتبارها محاولة لتقزيم الدور الاسرائيلي والحلف الذي تكون بقيادة الامارات وعضوية عدد من الدول الخليجية والمغرب لصالح محور جديد بقيادة إيران تقف من خلفه روسيا ومدعوم بطرف خفي من الصين. وبالتالي فإن ما تم يوم السابع من أكتوبر هو في حقيقة الامر أبعد من مجرد عملية عسكرية قادتها حماس ضد الجيش الاسرائيلي، بل هي في حقيقة الامر عملية اعادة تموضع لخارطة النفوذ في المنطقة، وهنا لابد لنا من الانتباه الي الدور المستقبلي الذي يمكن أن تلعبه سوريا في هذا الصراع تحت تأثير النفوذ الروسي والذي يمكن ان يحولها الي كوريا شمالية جديدة في المنطقة خصوصاً بعد أن تأكد لروسيا والصين الدور المهم لهذه المنطقة في لعبة توازن الردع العالمي.

شارك بتعليقك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *