عن مشروع التغيير الجذري في السودان (3/3)

كيف نفهم مشروع التغيير الجذري
في الحلقات السابقة تطرقنا الي الملامح العامة لمشروع التغيير الجذري وطبيعة البنية الاقتصادية الراهنة والتي يسعي المشروع الي هدمها واحلال بديل تنموي اجتماعي مستدام مكانها.
في هذا المقال ساحاول شرح طبيعة المشروع وكيفية النفاذ الي جوهره، في البداية لابد من الاشارة الي ان مشروع التغيير الجذري هو مشروع اجتماعي في المقام الاول وبالتالي فهو ينظر الي السياسة باعتبارها تعبير عن تقاطعات المصالح لدي القوي الاجتماعية المختلفة في السودان. بالتالي فان المشروع لايحفل كثيراً بالتكوينات السياسية الكثيرة علي الساحة اليوم ويصنفها وفق معايير الآتية :
  1. المصالح الاقتصادية والاجتماعية التي تعبر عنها برامج هذه الأحزاب
  2. التصنيف الطبقي لجماهير هذه الاحزاب
وهنا لابد من الاشارة الي ظاهرة مهمة هي انه نتيجة لضعف الوعي الطبقي والسياسي نجد ان عدد كبير من هذه الاحزاب تتبني برامج سياسية معادية للمصالح الطبقية لجماهيريها، وهذا ما يجعل اصحاب مشروع التغيير الجذري لا يحفلون كثيرا بهذه الاحزاب كمؤسسات ولكنهم في نفس الوقت مهتمين بجماهير هذه الاحزاب ويحرصون الي مد جسور التواصل معها باعتبارهم رصيد قوي لمشروع التغيير الجذري ان امتلكوا الوعي الاجتماعي والسياسي المطلوب. وهذا في تقديري مايجلب الاتهام لاصحاب مشروع التغيير الجذري انهم لايتعاطون كثيراً مع الاحزاب السياسية.
قضية ثانية مهمة، مشروع التغيير الجذري غير مهتم كثيراً بمصطلح يسار ويمين ولا يصف نفسه باي منها، ذلك ان مصطلح يمين ويسار نفسه مصطلح مضلل قائم علي منهج التحليل السياسي الرأسي الذي يتجاهل الطبقة الاجتماعية والتي هي بطبيعتها افقية، فاليساري من الممكن ان يكون ماسح احذية او عامل او طبيب او صاحب مصنع.
ان مأزق تصنيف يسار ويمين قد ظهر جلياً مع بواكير ثورة ديسمبر حينما ادعت عدد من الاحزاب السياسية انها احزاب يسار، ولكن الناظر لبرامجها السياسية يجدها خالية تماماً من اي بعد اجتماعي منحاز للطبقات الفقيرة والمسحوقة بل يجد ان مفهوم العدالة الاجتماعية نفسه يكاد يان يكون غائباً في تلك البرامج.
في تقديري ان محاولة بعض الاحزاب تصنيف نفسها كاحزاب يسار هو محاولة غير موفقة للتقرب من الطبقات الفقيرة والمسحوقة التي انخرطت بفعالية في الايام الاولي من الثورة. وهي محاولة مستلفة من السياق الاوروبي ويمكن للقارئ الرجوع الي تجربة الحزب الاشتراكي الفرنسي وحزب العمال البريطاني حيث فقدت تلك الاحزاب قسم كبير من قواعدها لصالح اليمين المتطرف نتجة لمواقفها المؤيدة لحلف الناتو والداعمة لاقتصاد السوق الحر وواجراءات منظمة التجارة العالمية فظهر التناقض جليا بين ماتتبناه من برامج من ناحية ومصالح قواعدها الاجتماعية الاقتصادية من ناحية اخري.
ان مشروع التغيير الجذري هو مشروع منحاز للطبقات الفقيرة ويتوجه بخطابه لهذه الطبقات وبالتالي فانه ينظر للمجتمع عبر تشكيلته الافقية الهرمية والمكونة من الطبقات الفقيرة في قاعدة الهرم ثم الطبقة الوسطي ثم الطبقة الراسمالية المسيطرة علي الموارد في قمة الهرم، وهو مشروع مهتم بدراسة اليات نهب موارد البلاد الطبيعية ووسائل استغلال الطبقة الراسمالية الطفيلية المسيطرة علي البنية الاقتصادية الحالية لبقية طبقات المجتمع، بغض النظر عن لونها السياسي.
بالتالي فان مشروع التغيير الجذري يتوجه بمشروعه للطلاب العاجزين عن الاستمرار في الدراسة والخريجون الذين لايجدون عملا والذين اصبحوا بوضعهم هذا مستبعدين من حلقة الانتاج وبالتالي مستبعدين من الاستفادة حتي من النذر اليسير الذي نوفره البنية الاقتصادية بشكلها الحالي، كذلك يتوجه المشروع الي بائعات الاطعمة وماسحي الاحذية وغاسلي العربات والميكانيكية والعمال بمختلف علاقات عملهم وعمال التعدين الاهلي الذين يخاطرون بحياتهم في مقابل الفتات والعاملين باجر من ذوي الدخل المحدود. كذلك يتوجه المشروع الي صغار المزارعين والعمال الزراعيين ولا ينسي الجنود وصغار الضباط الذين يتم الدفع بهم للصدام مع مجتمعاتهم لصالح الطبقة المسيطرة فيكتسبون عداء مجتمعاتهم باجبارهم علي حمالية ادارتهم علمليات نهب الموارد علي الارض دون ان يكون لهم نصيب يذكر في ذلك. ايضا ينظر المشروع الي صغار اصحاب العمل الذين يعانون هم بدورهم من احتكار الراسمالية الطفيلية التابعة للموارد والطريقة المعيبة لاستغلال تلك الموارد والتي لا تتيح لهم الفرص في الانخراط في اي عمليات انتاجية.
هؤلاء هم جماهير مشروع التغيير الجذري وهو ينظر اليهم من مواقعهم الطبقية تلك ولايحفل كثيراً بانتماءاتهم السياسية او ما يتبنونه من شعارات فمصالحهم المباشرة مع مشروع التغيير الجذري وسيأتي اليوم الذي سينحازون له متي ما اكتسبوا الوعي بان وضع الحد لحياتهم المأساوية يكمن في هدم بنية الاقتصاد القديمة واحلال البديل ذو المضمون الاجتماعي والوطني مكانه.
– أرجو ان اكون في سياق مقالي هذا لماذا قد تمكنت ايجاد مدخل سهل لمفهم طبيعة مشروع التغيير الجذري.

شارك بتعليقك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *