نذر التسوية الجديدة في السودان، ما اشبة الليلة بالبارحة(3/3)

لماذا لم تتواصل المجموعات الثورية للعاملين داخل كل موقع عمل مع لجان المقاومة داخل الحي الذي يتواجد فيه موقع العمل لقيادة العمل الثوري داخل الحي وموقع العمل؟

في المقال السابق كنا قد تحدثنا عن الخطوات العملية نحو انجاز التحول الديمقراطي في البلاد ووعدنا بتفصيل أكثر فيها، في هذا المقال سأتطرق الي قضية مهمة وهي كيفية صيانة وتحصين اي مشروع للانتقال او التحول الديمقراطي من الانقلاب عليه او افراغه من محتواه كما حدث في اكتوبر 1964 وابريل 1985 وديسمبر 2019.

في البدء تقتضي الامانة الاشارة الي ان معظم الافكار الواردة في هذا المقال هي محصلة نقاشات مطولة مع الزميلة والصديقة د. هبة عمر واستاذنا احمد علي والذين أدين لهم بالكثير من الامتنان والتقدير.

لابد من الاشارة الي ان سيناريو الانقلاب على المشروع الوطني الديمقراطي دائماً ما يأتي من احزاب وقوي تعيش حالة من التناقض بين مشروعها السياسي والمصالح الطبقية لعضويتها، يبرز هذا لتناقض جلياً في حالة حزب الامة والحزب الاتحادي الديمقراطي في عهود سابقة وانضمت اليهم في الفترة الاخيرة احزاب جديدة مثل المؤتمر السوداني واحزاب البعث والتي تفاقم التناقض في حالتيهما بسبب الضغوط الدولية والاقليمية الي درجة التناقض مع المضامين والمنطلقات الفكرية والبرامجية لهذه الاحزاب. هذا التناقض يفسر رغبة هذه القوي عند احتدام الازمة الثورية في المشاركة في مشروع التغيير مدفوعة برغبة ومصلحة قواعدها في ذلك ثم لا تلبث ان تنقلب عليه مدفوعة بمصالحها الذاتية وذلك بمجرد ان تربح الجماهير جولة ازاحة الديكتاتور ولامست قيادات هذه القوي والاحزاب السلطة.

ان مصالح قيادات هذه القوي والاحزاب تتعارض في الاساس مع اي مشروع وطني تنموي يضع البلاد في دائرة الانتاج وينحاز للمنتج الصغير ويلزم الدولة بدورها في توفير الخدمات الاساسية للمواطن.

من أبرز مظاهر الانقلاب علي التحول الوطني الديمقراطي ذو المحتوي الاجتماعي هي:

  • أولا: الدعوة الي انتخابات مبكرة كما حدث في 1964.
  • ثانياً: انهاء الفترة الانتقالية قبل ان تنجز مهامها وعلي راسها الدستور واصلاح القوانين وتحقيق السلام واصلاح هياكل الدولة ومؤسسات الحكم كما حدث في ابريل 1985.

وبالتالي فالخطوة الاولي نحو تحصين التحول الديمقراطي من الانقلاب عليه تتمثل في عدم قيام انتخابات دون وضع إطار سياسي وقانوني واضح وملزم للعملية السياسية والقواعد الاساسية للنظام الديمقراطي.

الخطوة الثانية تتمثل في امتلاك قوي الثورة الحية لخارطة واقعية للقوي السياسية والاجتماعية من حولها، هذه الخارطة ينبغي ان تكون مبنية على تحليل المصالح الاقتصادية والاجتماعية لهذه القوي ومدي قربها او بعدها من مصالح وتطلعات الجماهير المسحوقة في الارياف والمدن. فهناك قوي وان تبنت شعارات سياسية ثورية الا انها وبحكم تركيبتها الطبقية لا تستطيع السير مع قوي الثورة ابعد من محطة اسقاط الديكتاتور وسيكون من الخطأ الجسيم استصحابها معنا الي ابعد من ذلك.

في المقابل هناك قوي اخري مؤهلة سياسياً واجتماعياً للسير في مسار الثورة الي اخر الشوط وانجاز التحول الوطني الديمقراطي ذو المضمون الاجتماعي المنحاز للمسحوقين من ابناء شعبنا وهناك من هم دون هاتين المنزلتين، وبالتالي فلا ينبغي الركون الي الشعارات السياسية لمختلف هذه القوي دون امتلاكنا المعيار الطبقي الذي نستطيع من خلاله التمييز بين المواقف السياسية الاصيلة والمتسقة مع التركيبة الاقتصادية الاجتماعية لهذه القوي وتلك التي ترفع لأغراض الدعاية والاستهلاك السياسي.

الخطوة الثالثة تتمثل في بناء تحالفات ثورية قاعدية افقية بين مختلف قوي الثورة الحية علي مستوي الاحياء ومواقع العمل فقد اثبتت التجربة ان التحالفات الفوقية على مستوي الهياكل القيادية هي تحالفات فاشلة وغير قادرة على حماية التحول الديمقراطي وأنصع مثال علي ذلك تحالف الحرية والتغيير والذي كان في حقيقة الامر عبارة عن منتدى يضم قادة قوي سياسية ومهنية بمعزل عن قواعد هؤلاء القادة. وهنا اجدني اتساءل لماذا لم تتواصل المجموعات الثورية للعاملين داخل كل موقع عمل مع لجان المقاومة داخل الحي الذي يتواجد فيه موقع العمل للتنسيق والعمل المشترك من اجل انجاح الفعاليات الثورية داخل الحي وموقع العمل؟ فالعاملين داخل الحي وسكان الحي هم الاقدر على ادارة الفعل الثوري داخل حيهم سوآءا كان فعلا نقابياً او مواكب؟ لماذا ينظر الي الفعاليات النقابية باعتبارها واجب حصري على الاجسام الثورية داخل مواقع العمل بمعزل عن دعم ومساندة سكان الحي؟ والعكس بالعكس لماذا ينظر الي المواكب باعتبارها فعلا حصرياً يخص لجان المقاومة دون دعم ومساندة الاجسام الثورية النقابية داخل مواقع العمل بالحي؟ ولماذا الاصرار على ان التخطيط والتنسيق لهذه الفعاليات لا يتم الا عبر الهياكل الراسية لهذه الاجسام النقابية وكذلك لجان المقاومة؟

ان بناء تحالف قوي قادر علي حماية وحراسة التحول الديمقراطي يتطلب ردم الهوة بين قوي العمل والسكن على المستوي القاعدي وليس القيادة لتتولي هذه التحالفات القاعدية بين قوي السكن والعمل مهمة القيادة الحقيقية للفعل الثوري في دائرة اختصاصها ويقتصر دور الهياكل القيادية ابتدار السياسات والعامة ووضع المقترحات والتنسيق والتشبيك بهذا فقط يتحقق شعار الثورة ثورة شعب…. والسلطة سلطة شعب.

وعلي العسكر التوجه للثكنات والتفرغ لحماية سلطة الشعب وعلى النخب كذلك التوقف عن محاولة اختطاف سلطة الشعب والعمل على دعمها ومساندتها بإبتدار المقترحات والبدائل والسياسات.

ان التطبيق العملي لهذا النموذج يتطلب ان تحالفات قوي العمل والسكن القاعدية هي من ترشح عضوية المجلس التشريعي الثوري الذي يعبر عن المصالح السياسية والاجتماعية لمختلف قطاعات الشعب وليس القادة السياسيون ويقتضي ايضاً ان تشكل القيادات الراسية لمختلف القوي الثورية المتحالفة علي المستوي الفوقي مجلساً استشارياً غير ملزم يعمل علي دعم المجلس التشريعي الثوري بالخطط والسياسات والبدائل. ودمتم

شارك بتعليقك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *