نذر التسوية الجديدة في السودان، ما أشبة الليلة بالبارحة (1/3)

المتابع للمشهد السياسي هذه الايام يشتم بوضوح رائحة تسوية تلوح بالافق، فهاهي الانباء ترشح عن مبادرات دولية واقليمية لايجاد مخرج للوضع المتأزم بالبلاد، كما تواترت الادانات للعنف المفرط لمليونيتي الثلاثين من ديسمبر والثاني من يناير علي الرغم من ان حجم القمع والخسائر في الارواح هي اقل منها مقارنة بمليونيات سابقة، كذلك نجد تحرك عدد من الدوائرالمعروفة بندفوذها علي صناعة القرار الاقليمي بدعوة الجيش صراحة تقديم قيادة بديلة تتولي ادارة المسرح السياسي والامني ويكتمل المشهد بقرار السيد رئيس مجلس الوزراء وهو التنفيذي الول في البلاد الاستقالة.

بغض النظر عن صواب قرارار السيد رئيس الوزراء من خطأه تعاطفنا معه ام تحاملنا عليه، هذا المشهد وتلك التحركات تشبه والي حد كبير تلك التي تسيدت المشهد السياسي خلال الفترة من مارس وحتي ابريل 2019م وهو ذات المشهد الذي مهد الي قيام اللجنة الامنية لنظام البشير بالانقلاب عليه وفرض التسوية السياسية التي افضت الي الشراكة الحالية حفاظاً علي مصالح القوي الاجتماعية والاقتصادية المسيطرة علي الحكم بالبلاد والمتمثلة في الطبقة الفاسدة من قيادات المؤسسات العسكرية والامنية المسيطرة علي موارد البلاد الاقتصادية بالتحالف مع طبقة الراسمالية الطفيلية التابعة. ان ما يجمع بين جميع اطراف هذا التحالف هو التبعية لملوك الخليج واعني بهم السعودية و الامارات وحلفائهم الاقليميين في المنطقة وعلي راسهم مصر وهو وضع يجعلنا ننظر الي مواقف هذه الدول كمؤشر لمواقف وردود افعال هذا التحالف المسيطر علي البلاد في الوقت الحالي.

ما يتوجب علي قوي الثورة الانتباه له هو محاولة تكرار سيناريو الحادي عشر من ابريل 2019م بازاحة البرهان وطاقمه والدفع بوجوه عسكرية جديدة تعمل علي اعادة انتاج الشراكة بصورة جديدة تعمل بما يضمن الحفاظ علي المصالح الاقتصادية لهذا التحالف ومن هم خلفه من دول الاقليم، واكثرما اخشاه هو انقسام الشارع في حاله تنفيذ هذا السيناريو بما يفتح الطريق امام القوي السياسية الداعمة للتسوية للانخراط في تفاوض مضر يفضي الي اعادة انتاج هذه الشراكة.

ان الترياق لهذا السيناريو هو وحدة الشارع خلف شعاراته الثلاث ( لاتفاوض، لاشراكة، لامساومة) وترجمة هذه الشعارات الي مطالب عملية ملموسة والتأكيد علي التحول الديمقراطي عبر سلطة انتقالية مدنية لها السيطرة الكاملة علي جميع مؤسسات الدولة بما فيها المؤسسات العسكرية والامنية كما لها الولاية الكاملة علي جميع موارد البلاد.

أثبتت الاحداث الاخيرة ان المدخل للتحول الديمقراطي يتمثل في محورين، محور اصلاح المؤسسات العسكرية والامنية والمحور الاقتصادي. ومن ينظر بتمعن الي كلا المحورين يكتشف انهما مرتبطين ببعضهما ارتباطاً عضوياً، فثمانين بالمئة من موارد البلاد هي في ايدي المكون العسكري، وهو وضع تقليدي موجود في عدد كبير من دول العالم محدودة الموارد حيث ان تكلفة بناء الجيوش باهظة ولا تستطيع حكومات هذه الدول توفيرها وبالتالي تلجأ هذه الجيوش الي الهيمنة علي السلطة بهدف السيطرة علي موارد الدولة وتسخيرها لصالحها، ولتحقيق ذلك فانها تتبني سياسات ليبرالية تعمل علي سحق المواطن الفقير عبر غل يد الدولة من الصرف علي الخدمات الاساسية واغراقها في الديون عبر بوابة الاستثمارات والتمويل الاجنبي وتبني مشروعات لا تنموية يعمل فيها عدد محدود من المواطنين ويعود ريعها اما لصالح الجيش مباشرة او الي طبقة راسمالية متحالفة مع الجيش كما هو الحال في السودان و اثيوبيا ومصر و الجزائر و تونس والعديد من دول المنطقة.

ان التحول الديمقراطي لن يتحقق مالم تسيطر الدولة علي مؤسساتها الامنية وهذا لا يتأتي الي عبر سيطرة الدولة علي جميع الموارد بما فيها موارد المؤسسات الامنية والعسكرية هذه هي الخطوة الاولي.

الخطوة الثانية هي تسخير هذه الموارد نحو مشروعات تنموية تصب في صالح المواطن، فلا تحول ديمقراطي دون استقرار اقتصادي وسياسة تنموية تعمل لصالح المواطن محدود الدخل . إن خيارات الناخب وارادته في اي دولة ديمقراطية هي رهينة باستقراره الاقتصادي وتمتعه بمستوي معقول من الخدمات.

هذا هو الاطار المفاهيمي للتحول الديمقراطي حسب تقديري المتواضع وسوف اعمل علي تفصيله في شكل خطوات عملية في مقالات قادمة ان امد الله في الايام وادعو الجميع الي مد يد العون لي في هذه المحاولة المتواضعة.

ودمتم.

 

شارك بتعليقك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *