قطر تُحلّق نحو المونديال

انتصار تكتيكي على الإمارات يعكس نضج العنابي وتفوقه القاري

في ليلة كروية آسرة احتضنها ملعب جاسم بن حمد في العاصمة القطرية الدوحة، نجح المنتخب القطري في تحقيق فوز مهم على نظيره الإماراتي بنتيجة ٢-١، ضمن الجولة الرابعة من التصفيات الآسيوية المؤهلة إلى كأس العالم ٢٠٢٦. هذا الانتصار لم يكن مجرد ثلاث نقاط تُضاف إلى رصيد “العنابي”، بل كان تجسيداً حياً لتطور المنظومة الكروية القطرية، وانعكاساً لعمل دؤوب على المستويين الفني والذهني، وترسيخاً لمكانة قطر كقوة صاعدة في كرة القدم الآسيوية.

بداية متوازنة وتحولات تكتيكية دقيقة

دخل الفريقان اللقاء بحذر واضح، حيث سعى كل طرف إلى فرض أسلوبه دون المجازفة المبكرة. الإمارات، بقيادة المدرب الروماني كوزمين أولاريو، اعتمدت على التكتل الدفاعي والانطلاقات المرتدة، بينما فضّل الإسباني جولين لوبيتيغي، مدرب قطر، البناء التدريجي للهجمات والضغط العالي عند فقدان الكرة.

ورغم أن الشوط الأول انتهى بالتعادل السلبي، إلا أن المؤشرات كانت تميل لصالح أصحاب الأرض، الذين استحوذوا على الكرة بنسبة تجاوزت ٦٠٪، وهددوا مرمى الحارس علي خصيف في أكثر من مناسبة، أبرزها تسديدة أكرم عفيف من ركلة حرة مباشرة في الدقيقة ٣٣، والتي مرت بجوار القائم الأيسر.

قطر لكأس العالم - مجلة يا شباب

هدفان في توقيت مثالي وتنفيذ مثالي

مع بداية الشوط الثاني، بدا واضحاً أن العنابي عازم على كسر الجمود. وفي الدقيقة ٤٩، جاء الفرج عبر هجمة منظمة بدأت من وسط الملعب، حيث مرر عبد الكريم حسن كرة بينية رائعة إلى أكرم عفيف، الذي راوغ المدافع الإماراتي ببراعة وسدد كرة قوية استقرت في الشباك، معلنةً تقدم قطر بهدف نظيف.

ولم يكتف العنابي بهذا التقدم، بل واصل ضغطه المنظم، ليأتي الهدف الثاني في الدقيقة ٦٧ عبر رأسية من المعز علي بعد عرضية متقنة من كريم بوضياف، ليؤكد تفوق قطر في الكرات الهوائية ويمنح الفريق أريحية أكبر في إدارة اللقاء.

ورغم تقليص الإمارات للفارق في الدقيقة ٨٤ عبر فابيو دي ليما، فإن الدفاع القطري بقيادة بوعلام خوخي والحارس مشعل برشم حافظا على التقدم حتى صافرة النهاية.

أداء دفاعي منضبط وقراءة ممتازة للمباراة

بعد التقدم، أظهر المنتخب القطري نضجاً تكتيكياً لافتاً، حيث لم يتراجع بشكل كامل، بل حافظ على توازنه بين الدفاع والهجوم، مع التركيز على إغلاق المساحات أمام مفاتيح لعب الإمارات، مثل كايو كانيدو وروبن فيليبي.

تألّق المدافع بوعلام خوخي في قطع الكرات الهوائية، بينما لعب الحارس مشعل برشم دوراً حاسماً في الحفاظ على نظافة الشباك، خاصة في الدقيقة ٧٨ عندما تصدى ببراعة لتسديدة خطيرة من دي ليما.

لوبيتيغي… بصمة واضحة في تطوير العنابي

منذ توليه قيادة المنتخب القطري، أظهر المدرب الإسباني جولين لوبيتيغي قدرة كبيرة على توظيف اللاعبين وفقاً لقدراتهم، مع التركيز على بناء منظومة جماعية متماسكة. في مباراة الإمارات، ظهرت بصماته بوضوح في التحولات السريعة، والضغط المنظم، والتعامل الذكي مع مجريات اللقاء.

كما أن اختياره لتشكيلة متوازنة تجمع بين الخبرة والشباب، مثل إشراك محمد المانع في الوسط إلى جانب كريم بوضياف، منح الفريق مرونة تكتيكية ساعدته على السيطرة على وسط الملعب، وخلق فرص هجومية متنوعة.

العنابي يستحق التأهل

هذا الفوز لا يُعد مجرد انتصار في مباراة، بل هو تتويج لمسيرة تطوير بدأت منذ سنوات. قطر أثبتت أنها ليست فقط صاحبة الأرض، بل صاحبة مشروع كروي متكامل. الأداء الجماعي، الانضباط التكتيكي، والروح القتالية كانت حاضرة في كل دقيقة من اللقاء.

أكرم عفيف كان نجم المباراة بلا منازع، بتحركاته الذكية، تمريراته الحاسمة، وتسديدته التي افتتحت التسجيل. كما أن المعز علي أكد مجددًا قيمته كمهاجم حاسم في اللحظات المهمة، بينما لعب عبد الكريم حسن دورًا محوريًا في بناء الهجمات من الجهة اليسرى.

الجماهير القطرية مجلة يا شباب

الجماهير والروح الوطنية

الحضور الجماهيري الكبير في ملعب جاسم بن حمد كان عاملاً محفزاً للاعبين، حيث امتلأت المدرجات بالأعلام القطرية والهتافات التي لم تتوقف. هذا الدعم الجماهيري يعكس العلاقة الوثيقة بين المنتخب والشعب، ويعزز من روح الانتماء الوطني، خاصة في ظل اقتراب العنابي من التأهل الرسمي إلى كأس العالم.

العنابي بثقة نحو المونديال

بهذا الفوز، يواصل المنتخب القطري تصدر مجموعته في التصفيات الآسيوية، ويقترب خطوة إضافية نحو التأهل الرسمي إلى كأس العالم ٢٠٢٦. ومع استمرار الأداء المتوازن، والقيادة الفنية الحكيمة، والدعم الجماهيري المتواصل، يبدو أن العنابي يسير بثبات نحو كتابة فصل جديد في تاريخه الكروي.

المنتخب القطري اليوم لا يُمثل فقط طموح دولة، بل يُجسّد حلم جيل كامل من الشباب الذين يرون في كرة القدم وسيلة للتعبير، والتطور، والتميز. ومع كل مباراة، يثبت العنابي أنه جدير بالثقة، وجدير بالرهان عليه في المحافل الدولية.

شارك بتعليقك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *