
السلطان طه سليمان يلسوع من القاهرة
طه سليمان يشعل القاهرة في ليلة لا تُنسى: حفل أسطوري يُعيد سلطان الطرب إلى الأضواء
في ليلةٍ من ليالي الفن التي تُكتب بماء الذهب، عاد سلطان الطرب السوداني طه سليمان ليُلهب مشاعر الآلاف في حفل جماهيري ضخم أقيم يوم الجمعة ١٩ سبتمبر ٢٠٢٥ في منتجع عين الحياة بالقاهرة. الحفل، الذي نظمته شركة “المزن”، لم يكن مجرد عرض فني، بل كان حدثاً ثقافياً وإنسانياً أعاد الأمل والفرح لقلوبٍ أنهكها الشوق بعد سنوات الحرب في السودان.
عرض حصري لأول مرة: فيديو كليب “السوع”
مع بداية الحفل، فاجأ طه سليمان جمهوره بعرض حصري لأول مرة لفيديو كليب أغنيته الجديدة “السوع” على شاشة المسرح العملاقة. تفاعل الجمهور بحرارة مع الفيديو، الذي حمل لمسات فنية عصرية وأجواء شعبية مصرية، في خطوة جريئة تعكس قدرة طه على التجديد والانفتاح على الثقافات. الفيديو أظهر طه سليمان في صورة جديدة، تجمع بين الأصالة السودانية والإيقاع المصري، ليؤكد أنه فنان عابر للحدود وقادر على مخاطبة كل الأذواق.
أعلن طه سليمان أنه يدخل المنافسة الفنية عبر بوابة مصر، التي وصفها بأنها “طريقه نحو العالمية”. ولم يكتف بذلك، بل غازل الجمهور المصري بأغنيته الجديدة “السوع“، التي جاءت هذه المرة على الطريقة الشعبية المصرية، في خطوة جريئة تعكس قدرته على التجديد والتنوع الفني.
عودة الأسطورة من تحت الرماد
بعد غياب دام أكثر من عامين عن المسارح بسبب الحرب في السودان، عاد طه سليمان كالعنقاء من رمادها، ليُثبت أن الفن الحقيقي لا يموت، بل ينتظر لحظة الانبعاث. الحفل جاء تتويجاً لمسيرة فنية طويلة، واحتفاءً بعودة فنانٍ لطالما كان صوتاً للوجدان السوداني، ووجهاً مشرقاً للثقافة السودانية في المهجر.
تنظيم مبهر وحضور جماهيري ضخم
شهد الحفل حضوراً جماهيرياً غير مسبوق، حيث امتلأت جنبات المسرح بآلاف من محبّي طه سليمان، من السودانيين المقيمين في مصر، والجمهور المصري والعربي. التنظيم كان على أعلى مستوى، من حيث الإضاءة، والمؤثرات الصوتية، والعروض الراقصة التي قدمتها فرقة استعراضية مصرية، مما أضفى على الحفل طابعاً عالمياً.
رسالة فنية وإنسانية
الحفل لم يكن مجرد ترفيه، بل حمل رسالة إنسانية عميقة. فقد تفاعل الجمهور مع طه ليس فقط كمغنٍ، بل كرمزٍ للصمود والأمل، خاصة بعد مواقفه الإنسانية خلال الحرب، حين بقي في حي شمبات وشارك في تقديم الدعم للمحتاجين. هذه الخلفية أضفت على الحفل طابعاً وجدانياً، وجعلت من كل أغنية لحظة تواصل حقيقي بين الفنان وجمهوره.
أم درمان… حيث تبدأ الحكاية
حين صدح طه سليمان بأغنيته العذبة “أمرد يا حبيبة” على مسرح القاهرة، لم يكن يغني فقط للحب، بل كان يُغني لمدينةٍ تسكن وجدانه: أمدرمان، عاصمة الروح السودانية، ومهد الطرب الأصيل. في كل نغمة من الأغنية، كانت تتردد أصداء الأزقة القديمة، والمقاهي التي احتضنت أولى خطوات الفنانين، والبيوت التي كانت تُغني قبل أن تعرف الكهرباء طريقها إليها.
طه سليمان، ابن هذا الإرث، لم ينسَ جذوره رغم كل ما حققه من شهرة وانتشار. بل حمل أمدرمان معه إلى كل مسرح، وكل مدينة، وكل جمهور. أغنية “أمرد يا حبيبة” لم تكن مجرد لحن رومانسي، بل كانت رسالة وفاء لمدينةٍ أنجبت الفن، وربّت الأصوات، واحتضنت الحلم السوداني في أزقته الضيقة وقلوبه الواسعة.
وفي القاهرة، حين غناها، شعر الجمهور أن أمدرمان كانت حاضرة معهم، بكل ما فيها من دفء، وحنين، وكرامة. لقد أعاد طه سليمان تعريف العلاقة بين الفنان ومدينته، ليس كمن يخرج منها، بل كمن يحملها معه، ويُعرّف بها العالم.
طه سليمان: حالة فنية وإنسانية تتجاوز التصنيفات
طه سليمان لم يكن في حفل القاهرة مجرد مغنٍ يؤدي أغانيه، بل كان تجسيداً حياً لفكرة أن الفنان الحقيقي هو من يعيش قضايا شعبه، ويُترجمها إلى فنٍ يُلامس القلوب. في تلك الليلة، أثبت طه أنه ليس مجرد نجم، بل هو حالة فنية وإنسانية متكاملة، تجمع بين الإبداع، والالتزام، والروح الشعبية التي لا تنفصل عن وجدان الناس. حضوره على المسرح كان طاغياً، وصوته حمل نبرة الصمود، والفرح، والحنين، وكأنه يُغني باسم كل سوداني عاش لحظات الحرب والشتات.
بين جيل العمالقة وجيل الحداثة: طه سليمان في المنتصف الذهبي
عندما نقارن طه سليمان بفنانين سودانيين من جيل العمالقة مثل محمد وردي وعبد الكريم الكابلي، نجد أنه يحمل نفس الروح الوطنية والرسالة الثقافية، لكنه يُضيف إليها لمسة عصرية جعلته قريباً من الشباب والجيل الجديد. وفي الوقت نفسه، يتفوق على كثير من الفنانين المعاصرين من حيث القدرة على المزج بين التراث والتجديد، وبين المحلية والعالمية. طه لا يكتفي بتقديم الأغنية السودانية التقليدية، بل يُعيد صياغتها بأسلوب حديث، كما فعل في أغنية “السوع”، التي حملت طابعاً مصرياً شعبياً دون أن تفقد هويتها السودانية.
من المحلية إلى العالمية: طه سليمان يفتح بوابة الفن السوداني للعالم
حفل القاهرة كان إعلاناً صريحاً بأن طه سليمان قادر على اختراق الحدود الفنية والجغرافية، والوصول إلى العالمية من قلب القاهرة، التي تُعد مركزاً ثقافياً عربياً. اختياره لمصر كبوابة لانطلاقه الدولي لم يكن عشوائياً، بل مدروساً، حيث يعرف أن الجمهور المصري يُقدّر الفن الحقيقي، ويمنح الفنانين مساحة للانتشار. طه سليمان اليوم لا يُنافس فقط في الساحة السودانية، بل يُنافس على مستوى عربي، ويُمهّد الطريق لفنانين سودانيين آخرين ليحلموا بالوصول إلى العالمية من خلال الفن الذي يحمل هوية، ورسالة، وروحاً إنسانية.
حين يغني الجمهور قبل الفنان!
من أجمل لحظات الحفل وأكثرها عفوية، تلك التي تعالت فيها أصوات الشباب من جمهور طه سليمان وهم يرددون أغنيته الشهيرة “شينة منك” بحماس منقطع النظير. لم يكن المشهد عادياً؛ فقد تحولت مدرجات المسرح إلى كورال ضخم، يردد كلمات الأغنية بكل شغف وحنين.
ابتسم طه سليمان لهذا التفاعل الفريد، والتفت إلى فرقته قائلاً:
“سامعين؟ الجمهور عايز شينة منك!”
ثم أشار إليهم بحماس: “يلا نديهم الأغنية دي… الليلة ليلتهم!”
في لحظة واحدة، اندمج صوت الفنان مع أصوات جمهوره، ليصنعوا معاً لوحة موسيقية لا تتكرر. عزفت الفرقة الأغنية، وغناها طه وسط تصفيق وهتاف الشباب، في مشهد جسّد العلاقة الاستثنائية بينه وبين جمهوره، وأكد أن طه سليمان ليس فقط نجماً على المسرح، بل هو أيضاً صوت الناس ونبضهم الحقيقي.
هذه اللحظة لم تكن مجرد استجابة لطلب الجمهور، بل كانت دليلاً على أن طه سليمان يعيش مع جمهوره، ويمنحهم دائماً الأولوية في كل حفلاته. هكذا يصنع الفنان الحقيقي الفارق، وهكذا تبقى أغانيه خالدة في الذاكرة.
“في زول حفظ؟”… طه سليمان يختبر جمهوره ويضحك معهم
بعد عرض فيديو كليب “السوع” على الشاشة الكبيرة، وبينما كانت الأجواء مشتعلة بالحماس، وقف طه سليمان على المسرح بابتسامته المعهودة، ونظر إلى الجمهور قائلاً مازحاً:
“في زول حفظ؟“
كانت لحظة عفوية، مليئة بالدفء والمرح، حيث ضحك الجمهور ورددوا الأغنية معه، وكأنهم كانوا ينتظرون هذه الدعوة ليشاركوه الغناء. طه، الذي يعرف كيف يُحول كل لحظة إلى تواصل حي، بدأ في أداء الأغنية مباشرة، وسط تفاعل جماهيري مذهل، وعروض ألعاب نارية أضاءت السماء، لتُضفي على المشهد طابعاً احتفالياً لا يُنسى.
هذه اللحظة لم تكن مجرد أداء فني، بل كانت تجسيداً لعلاقة طه سليمان بجمهوره، علاقة مبنية على القرب، والصدق، والمرح. لقد جعلهم جزءاً من الأغنية، ومن التجربة، ومن الحفل نفسه. وهكذا، لم يكن الجمهور مجرد متلقٍ، بل كان شريكاً في صناعة لحظة فنية استثنائية.
ختام أسطوري مع “سآلين عليك”… لحظات لا تُنسى
اختتم الفنان طه سليمان حفله الكبير بأغنيته الخالدة “سآلين عليك”، وسط اندماج كامل مع جمهوره الذي لم يتوقف عن الغناء والتصفيق. كانت لحظة ختامية ساحرة، حيث نزل طه من برج النجومية إلى قلب الجمهور، وتفاعل معهم بشكل مباشر، حتى أنه أمسك بهواتف بعض الحاضرين والتقط معهم صور سيلفي من على المسرح، موثقاً هذه اللحظات بنفسه، في مشهدٍ إنساني وفني نادر.
الجمهور شارك طه الغناء، والفرحة، والذكريات، في لحظةٍ جسدت روح الحفل: الفن الذي يُصنع مع الناس، لا من فوقهم. كانت نهاية مثالية لحفل استثنائي، ترك أثراً عميقاً في قلوب كل من حضره، وأعاد التأكيد على أن طه سليمان هو فنان الشعب، وصوتهم، وصورتهم في الفن.
ولمن يرغب في الاستمتاع بكامل الأغاني التي قُدمت في الحفل، بما فيها تلك التي لم تُذكر في هذا المقال، ندعوكم لزيارة قائمة تشغيل الحفل على قناة مجلة يا شباب في يوتيوب، حيث تجدون توثيقاً مرئياً غنياً للحفل، من لحظة الانطلاق إلى لحظة الختام، لتعيشوا التجربة وكأنكم كنتم هناك.