هل سيضمحل الجيش ويذوب داخل المليشيات المسلحة

هذا المقال دعوة للانتباه والتدبر أمام خطر كبير بت أراه ماثلاً وأدعوا الوطنيين والحادبين الي التصدي له بالجدية التي يستحقها، وأخص بالذكر هنا الشرفاء من صغار الضباط والجنود والحادبين على القوات المسلحة وبقية المؤسسات الأمنية من معاشيييها وكل المتطلعين الي مؤسسة عسكرية وأمنية وطنية تعمل في خدمة المصالح العليا للوطن والتي هي مصالح المواطن البسيط في الاساس.

مع بداية ثمانينات القرن الماضي وفي محاولة تصديها للتحدي الامني والعسكري الذي فرضته الحركة الشعبية لتحرير السودان بعملياتها العسكرية النشطة في جنوب السودان قامت القوات المسلحة بالتواطؤ مع حكومة نميري بأنشاء ما يعرف بالقوات الصديقة وهي ميليشيات موالية للحكومة من قبائل النوير والفرتيت والمنداري وقد عهد لهذه الميليشيات مهمة التصدي لهجمات الحركة الشعبية لتحرير السودان في بعض مناطق اعالي النيل وبحر الغزال وتأمين خط الملاحة النهري. استمرت هذه السياسة طوال فترة الحرب الاهلية التي انتهت بانفصال جنوب السودان وخسارتنا لهذا الجزء العزيز من الوطن. كذلك أدت هذه السياسة الي شرخ كبير داخل النسيج الاجتماعي للمجتمع الجنوبي لا زال جنوب السودان يعاني منه حتى اليوم.

خلال الفترة من ١٩٨٥م – ١٩٨٩م استمرت حكومتي سوار الذهب والصادق المهدي في انتهاج نفس السياسة إزاء محاولات الحركة الشعبية لتحرير السودان توسيع دائرة القتال لتشمل مناطق في اقليم دارفور وجنوب كردفان والنيل الازرق. فقامت كلتا الحكومتين وبالتواطؤ مع قيادة الجيش ايضاً بأنشاء ميليشيا المراحيل وفرسان بحر الغزال من قبائل المسيرية للتصدي لنشاطات الحركة الشعبية في مناطق بحر الغزال وجنوب كردفان.

حينما أتت حكومة الانقاذ تفاقم الوضع بحيث أصبح انشاء الميليشيات المحلية للقتال بالإنابة عن الجيش سياسة معلنة قتم انشاء قوات الدفاع الشعبي وعدد من الميليشيات مثل قوات فاولينو ماتيب وميليشيات الجنجويد و التورابورا في دارفور وميليشيات لواء النيل الازرق وأمن القبائل في مناطق النيل الازرق وميليشيات علي بيتاي وميليشيا القاش وغيرها في شرق السودان. وولغت حكومة الانقاذ في هذه السياسة حتى بلغت ذروتها بتأسيس ميليشيا الدعم السريع التي وعلى الرغم من كل محاولات الا أن ذلك لم يفلح في جعلها قوة نظامية وحافظت على طبيعتها الميليشيوية.

جميع الميليشيات بما فيها الحركات المسلحة التي رفعت السلاح في وجه الدولة نجد أنها قد استغلت بشكل أو باخر القوات المسلحة وبقية القوات النظامية في الأمور المتعلقة بالتمويل والتسليح والتدريب، كما ان معظم القادة العسكريين والقيادات الميدانية لهذه الحركات نجدهم من الضباط أو ضباط صف السابقين ممن عملوا بالقوات المسلحة أو القوات النظامية الأخرى.

نتيجة لذلك فقد تحولت القوات المسلحة وبالتواطؤ مع قسم كبير من الطبقة السياسية التي تولت الحكم منذ ثمانينات القرن الماضي الي رحم ينجب ابناء غير شرعيين لوالد غير شرعي هو الميليشيات.

إن سياسة انشاء الميليشيات لقتال المجموعات التي ترفع السلاح في وجه الدولة قد انتهكت مبدأ اصيلاً من مبادئ شرعية القوات المسلحة وهو احتكار العنف لصالح الدولة التي هي تعبير عن مصالح المواطن والشعب. وبالتالي اصبحت القوات المسلحة مجرد فاعل بين فاعلين في صناعة العنف.

علي صعيد اخر فمن يتابع مسيرة جميع الميلشيات يجد أنها قد تعرضت الي سلسة طويلة من الانقسامات وبوتائر متسارعة جدا والتي هي في حقيقة الامر عبارة عن سلسلة من تغيير الولاءات لأسباب تتعلق بالتمويل والتسليح والتشوين وغيرها من ضروريات الحفاظ علي ولاء المقاتلين أكثر من كونها اسباب مبدئية. فمن قاتل الجيش والدولة بالأمس أصبحوا أقوى حلفائها اليوم الي جانب بقايا الحركة الاسلامية، ومن قاتل هذه الحركات الي جانب الحركة الاسلامية والجيش والدولة قد تحول اليوم الي أكبر عدو لهم.

كذلك حينما قام قادة الجيش غير المحترفين باختطاف الدولة في انقلاب الخامس والعشرون من اكتوبر، هم في حقيقة الامر رهنوا القرار العسكري والسياسي للجيش والدولة الي مجموعة الميليشيات التي تحلفوا معها في انقلابهم هذا. وهذا ما اكدته بوضوح هذه الحرب، والتي نجدها ولأول مرة في تاريخ الجيش السوداني يصبح للميليشليات الكلمة العليا في صياغة القرار العسكري والسياسي للدولة، والسبب وراء ذلك هو أن دور الميليشيات في هذه الحرب لم يعد دوراً ثانوياً، بل تحولت الي طرف قوي وحاسم فيها، وهذا ما يجعلنا ننظر بتساؤل وقلق الي دور الجيش في رسم المشهد العسكري والامني مستقبلاً.

إذا استمر الحال على هذا المنوال فإننا نسير في اتجاه دولة تقودها الميليشيات ويلعب الجيش فيها دوراً ثانوياً ال لا يتعدى اضفاء قدر من الشرعية للميليشيات الحاكمة، فما قام به البرهان وزمرته هو فقط استبدال الدعم السريع بميليشيات اخري بهدف الحفاظ علي سلطته وسوف ينقلب عليه هؤلاء بمثل ما انقلب عليه سابقيهم. أما أولئك الذين يدعمون قيادة الجيش في حربها هذه تحت دعوات الحفاظ على المؤسسة العسكرية سوف يكونون هم أول من يغرس خنجراً في قلبها ويحولونها الي مؤسسة صورية لاحول لها ولا قوة في مقابل الميليشيات.

الحل في العودة لشعار الثورة القديم: العسكر للثكنات، لتتمكن القوات المسلحة من تضميد جراحها والتعلم مما جري واجراء الاصلاحات اللازمة داخله للتحول الي جيش نظامي مهني مهيمن على المشهد العسكري يعمل لخدمة مصالح المواطن، والجنجويد ينحل، ونعني به جميع الميليشيات بلا استثناء والتي قد ان الاوان أن تختفي من المشهد السياسي والامني.

فالحذر الحذر… إني اري شجراً يسير

شارك بتعليقك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *