عوداً حميداً مدني

خرجت جماهير شعبنا في احتفالات عارمة احتفالاً بنجاح القوات المسلحة من السيطرة مدينة ود مدني. في البدء لابد أن نشير الي مشاركتنا جماهير شعبنا شعور الارتياح لاسترداد مدينة مدني – ثاني أكبر مدن السودان– الي سيطرة القوات المسلحة السودانية، فهذا هو مكانها الطبيعي. كما نؤكد ان هذا الانتصار ما كان له أن يتحقق لولا بسالة وتضحيات صغار ضباط وجنود القوات المسلحة الذين دفعوا مع جماهير شعبنا الثمن الباهظ لفشل وتفريط وعدم احترافية قادتهم طوال الفترة السابقة. إلا أننا وفي نفس الوقت لا نخفي قلقنا العميق على مستقبل ما سيجري داخل مدينة مدني قياساً الي ما حدث ويحدث الان داخل مدينة سنجة من تنكيل بالمدنيين على أساس الهوية واستهداف لقوي الثورة بواسطة قوات هيئة العمليات التابعة لجهاز المخابرات العامة وبقية الميليشيات المتحالفة مع الجيش. وهو ما ظللنا نحذر منه مراراً وتكراراً.

إن ما جرى داخل مدينة سنجة يؤكد ما ذهبنا اليه من نقص احترافية قادة القوات المسلحة، عجزوا عن إدارة المدينة وتأمين المواطن داخلها وهو عجز سوف يدفع أولئك الابطال من صغار الضباط والجنود الذين ضحوا بحياتهم لاسترداد المدينة.

بالتالي فإننا نرى أنه وتلافياً لما حدث في مدينة سنجة من انتهاكات، فمن الضروري أن يضغط شرفاء القوات المسلحة في اتجاه دور أكبر للشرطة والنيابة العسكريتين في إدارة المدينة الي حين استتباب الامر وتسليم شأن المدينة الي إدارة مدنية وتحجيم دور هيئة العمليات وبقية الميليشيات خصوصاً وأنه قد لاحت في الافق بوادر انتهاكات جسيمة في حق المدنيين بواسطة بعض الميليشيات المتحالفة مع الجيش كما حدث في جريمة كمبو خمسة.

في مثل هذه الظروف، يقتضي القانون ومعاير الاحترافية انتشاراً وسيطرة للشرطة العسكرية والنيابة العسكرية في إدارة وتأمين المدينة من الداخل بدلاً عن تركها نهباً لهيئة العمليات التابعة لجهاز المخابرات العامة التي يعلم الجميع أنها عبارة عن ميليشيا تدين بالولاء للحركة الاسلامية وبقية المليشيات الأخرى المتحالفة مع الجيش لتسرح وتمرح وتعتدي على المدنيين. وهنا تجدر الاشارة الي أن من يطلع على قانون جهاز الامن والمخابرات الوطني لسنة ٢٠١٠م يجد أنه يفتقر الي التدابير المطلوبة لحماية المدنيين في ظل النزاعات المسلحة بعكس قانون القوات المسلحة لسنة ٢٠٠٧م، وبالتالي فإن واجب حماية المدنيين في ظروف النزاعات المسلحة هو واجب القوات المسلحة في المقام الأول، وهي المسؤولة عن جميع التجاوزات والانتهاكات التي ترتكب بواسطة القوات أو الميليشيات التي تعمل تحت إمرتها.

نحن في هذا الخصوص نفرق تماماً بين قيادة القوات المسلحة المجرمة وصغار ضباط القوات المسلحة وجنودها. فصغار الضباط وجنود القوات المسلحة هم أحد صمامات أمان وحدة واستقرار هذا البلد فهم من حمي المتظاهرين أثناء الثورة، ووهم من أجبر قيادة القوات المسلحة على الاطاحة بالبشير. وعليه فإننا نري أن من واجبنا اسداء النصح لهم حتى لا يكرروا اخطاء قادتهم، فهؤلاء هم مستقبل الجيش الوطني الذي سوف يحمي المواطن ويصون استقلال الدولة وديمقراطيتها.

من جانب اخر، علينا أن ننتبه جيداً للدور الخطير الذي يلعبه بعض المثقفين الانتهازيين والمجموعات الليبرالية من بقايا الحركة الاسلامية الساعية لاستغلال ما تحقق من انتصارات على أيدي شرفاء القوات المسلحة لتجييرها لمصلحة قيادة الجيش الحالية واستخدامها كمدخل لإفلاتهم من العقاب وتحمل المسؤولية عن جرائمهم التي ارتكبوها في حق الشعب السوداني.

إن هؤلاء القادة قد قاموا بقطع الطريق أمام ثورة الشعب السوداني واغتصاب السلطة بالقوة في ابريل ٢٠١٩م، ولم يتورعوا في قتل المئات في جريمة فض اعتصام القيادة العامة ثم انقلبوا على حكومة الفترة الانتقالية في اكتوبر ٢٠٢١م. كذلك نجد أنهم تواطأوا مع دولة الامارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية على دعم وتمكين ميليشيا الدعم السريع مالياً وعسكرياً وذلك لصالح حربهم على الشعب اليمني الشقيق، متجاهلين بذلك مطالب الثوار في سحب قوات السودانية المشاركة في حرب اليمن. وقد شكلت هذه الجرائم وصمة على جبين القوات المسلحة لا يمحوها إلا محاسبة أولئك القادة أمام القضاء العادل واتخاذ ما يلزم من تدابير لضمان عدم تكرار مثل هذه الجرائم مستقبلاً.

لن تفقد قوي الثورة بوصلتها ولن تذهل أمام محاولات تغبيش الوعي التي يقودها بعض المثقفين الانتهازيين وبقايا الحركة الاسلامية في تمرير مشروع الهبوط الناعم في نسخته الجديدة مستغلين في ذلك حالة الاستهجان والغضب تجاه مواقف بعض القوي المدنية المحسوبة على مشروع التسوية والهبوط الناعم. فقوي الهبوط الناعم في نسختها القديمة هي ليست بأخطر على شعبنا من قادة الجيش الحاليين وقادة الميليشيات المتحالفين معهم.

إن قوي الثورة وإذ تجد أنفسنا في خندق واحد مع ابطال القوات المسلحة من صغار الضباط والجنود، إلا أن أمامها مهمة كبيرة تتمثل في بث الوعي بين صغار الضباط والجنود بحتمية بناء جيش وطني يحمي وحدة واستقلال البلاد ويقطع الطريق أمام محاولات قادة الجيش الصعود على أكتافهم لتحقيق مشروعهم المعادي للشعب ومصادرة الديمقراطية والحريات العامة والتفريط في سيادة واستقلال البلاد بمنح القواعد العسكرية والسير في طريق التبعية للمحاور الاقليمية والدولية.

شارك بتعليقك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *