الاساس المادي للفقر

إن الفقر كظاهرة اقتصادية اجتماعية قد عرفتها المجتمعات البشرية منذ فجر التاريخ، وتصدي لدراستها وتفسيرها العديد من المفكرين والادباء، بل وتصدت لها أيضاً معظم الأيديولوجيات والاديان. إن الخطأ الذي وقع فيه معظم هؤلاء أنهم قد تعاملوا مع مسألة الفقر كقضية أخلاقية بلا اساس مادي، حيث تم ربط الفقر بالجشع وغياب الضمير تارة وكنتيجة لضعف الاديمان والابتعاد على تعاليم الدين تارة أخري كما تم ربطه ايضاً بالكسل والخمول وضعف العقل.

تمثلت عبقرية ماركس في أنه أول من وضع اساساً ماديا للفقر وذلك باكتشافه لمفهوم فائض القيمة باعتباره السبب المادي المباشر الذي يسبب الفقر ويقف خلف مأساة الفقراء. إن اكتشاف ماركس لهذا القانون السهل الممتنع والذي يقول ببساطة أن النظام الرأسمالي انما يقوم على أن عملية انتاج السلع يقوم بها عدد كبير من الناس، بينما عائدات هذا الانتاج يحتكرها شخص واحد أو عدد محدود من الناس الذين يقومون بتوزيعها بصورة غير عادلة، وهذا هو ببساطة السبب الحقيقي الذي يقف خلف الفقر.

بناءاً على ذلك فإن أي مجهود للقضاء على الفقر لابد له أن له أن يتعامل مع السبب الحقيقي له وهو فائض القيمة وذلك بخلق حالة من التوازن بين الطبيعة الاجتماعية للإنتاج والتوزيع العادل لعائداته.

إنه ولمن المضحك المبكي حقاً أن يقوم الصناع الحقيقيون للفقر من الرأسماليين بإقناع الفقراء بأن الفقر إنما هو ظاهرة اجتماعية طبيعية ليس للرأسماليين يد فيها، ويؤدون أمامهم دور الانسان الطيب الذي يعمل على مكافحة الفقر عبر العمل الخيري ومؤسسات المسؤولية الاجتماعية.

إن من يرعي الفقر ويتعهده بالرعاية هو النظام الرأسمالي نفسه وقانون فائض القيمة الذي هو جوهر هذا النظام. كما أنني أعجب لحال أولئك المتعلمين والمثقفين الذين يصدقون ذلك الهراء الرأسمالي القائل بأن القطاع الخاص هو من ينبغي أن يقود عملة التنمية متجاهلين بذلك حقيقة تاريخية معروفة مفادها أنه وباستثناء نموذج الولايات المتحدة الامريكية نجد أن جميع تجارب التنمية الناجحة إنما قادتها سياسات دولة قوية بنت قطاعاً عاماً مقتدراً تصدي لتأسيس البنية التحتية للدولة والاقتصاد وشجعت قيام المؤسسات الاقتصادية المملوكة للمؤسسات الاجتماعية والمهنية والنقابية في كل قطاع انتاجي.

إن التنمية الحقيقية ينبغي لها أن تتوجه نحو دفع وتشجيع المجتمعات نحو زيادة انتاج السلع والتكنولوجيا، ولكي يتحقق ذلك لابد لاي فرد في المجتمع أن يجد مكانه في هذه العملية، وذلك لا يتحقق إلا بتوفر شرطين مهمين ولا ينفصلان عن بعضهما البعض، الاول: أن يجد اي فرد في المجتمع الفرصة للمساهمة في انتاج السلع والتكنولوجيا، والثاني: أن يحصل على العائد العادل نظير انتاجه، وهذا لا يتحقق إلا في ظل سياسات دولة تدعم هذا الاتجاه.

تلك كلمة السر وراء نجاح أي خطة تنموية مستدامة تهدف للقضاء على الفقر وهو ما يجب أن ينظر اليه المواطن ويجده ظاهراً عند النظر الي أي مشروع تنموي. فالمواطن العادي ليس معنياً ولا مطلوباً منه دراسة وتحليل الكم لهائل من الارقام والنظريات المعقدة التي يتعامل معها المتخصصون، ولكنه مسؤول من التأكد من وجود مكان له في أي خطة أو مشروع تنموي. فمن يريد استجلاب مستثمرين أجانب فعليه إطلاع المواطن عن وظيفته في هذا المشروع وضمان حصته العادلة في عائداته. ومن أراد بيع أي مورد من موارد البلاد فعليه استشارة المواطن في قرار البيع هذا وضمان حصته في عائدات هذا البيع.

هنا لابد من الاشارة أنه ولكي تتحقق التنمية المستدامة لا يكفي أن يشترك جميع المواطنين في عملية انتاج السلع والعدالة في توزيع عائداتها، بل لابد من كفالة حق جميع المواطنين في استخدام التكنولوجيا وإنتاجها. هذه معركة كبيرة لابد لنا من الانتباه لها والتركيز عليها، فالعدالة في استخدام التكنولوجيا وانتاجها وتطويرها هو واحدة من أهم مطلوبات التنمية والمدخل الرئيس لتحقيق ذلك هو بإتاحة المعرفة عبر التعليم الجيد وإتاحته لجميع فئات الشعب دون استثناء. فالحصول على المعرفة والتكنولوجيا هو حق ينبغي أن يكون مكفولاً لجميع الشعوب وهو من المعارك التي ينبغي علي شعوب الدول النامية التضامن لخوض هذه المعركة وأهم شروط الانتصار في هذه المعركة هو امتلاك الشعوب النامية لخطط تنمية واضحة تصب في صالح المواطن الفقير فيها.

شارك بتعليقك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *