تعليقاً على الفيتو الروسي
قطار الثورة السودانية لا يمر باي محطة اجنبية
في يوم الاثنين الموافق ١٨/١١/٢٠٢٤م، قامت روسيا باستخدام حق النفض (الفيتو) ضد قرار بريطاني يدعو الي الوقف الفوري لإطلاق النار وحماية المدنيين. أصيبت عدد من الدول المعروفة بتدخلها السافر في الشأن السوداني بخيبة أمل شديدة حيث إن هذا القرار كان سيوفر غطاءاً دولياً لمختلف اشكال التدخل الدولي في السودان وفي نفس الوقت مخرجاً للبعض من المأزق السياسي الكبير الذي وقعت فيه جراء مواقفها السابقة. في المقابل شعرت قوي دولية أخري بالارتياح الكبير لهذا الفيتو حيث كان القرار البريطاني سوف يشكل تهديداً كبيراً لمصالحها المباشرة في السودان حيث إنه من المعروف أن مثل هذا النوع من القرارات التي تصدر من مجلس الأمن الدول تمول وتنفذ بما يعكس ويضمن المصالح الغربية.
على الصعيد السوداني اصيبت قوي سودانية عديدة بالإحباط الشديد من هذا الفيتو خصوصاً تلك التي وضعت جل بيضها في سلة المجتمع الدولي وتبنت الدعوة لفرض مناطق عازلة، بينما كما لاذت قوي أخري بالصمت. إلا أن الملفت للنظر هو الفرحة العارمة والمثيرة للتساؤل التي قابلت بها بعض المجموعات المحسوبة على التيار الثوري هذا الفيتو. من ينظر الي هذه المجموعات بعين التحليل يجدها في جلها منتمية الي اصحاب التفكير الثوري البدائي ثنائي القطبية الذي ينظر الي العالم عبر ثنائية الابيض والاسود والتي تسللت من تحت عباءتهم مجموعات الهبوط الناعم الجدد الطامحة لوراثة المشهد السياسي علي دبابة وبزة البرهان العسكرية وذلك باسم الدفاع عن القوات المسلحة والدولة السودانية.
أن حالة العداء المفرط والشماتة الظاهرة التي بدت من هذه المجموعات ضد مجموعة تقدم هي تقديري المتواضع تعدي قضية الاختلاف في الرؤي والمواقف السياسية لتعكس رغبة مبطنة في وراثة النفوذ السياسي لمجموعة تقدم لد لدي القوي الدولية فالترحيب بالفيتو الروسي يشير الي عدم وجود موقف مبدئي ضد التدخل الاجنبي لدي هذه المجموعات.
هنا وفي مستهل هذا المقال لابد لنا من التأكيد على رفضنا القاطع للتدخل الاجنبي بمختلف اشكاله في السودان، وترحيبنا باي خطوة في هذا الاتجاه. إلا اننا في نفس الوقت ندرك جيدا حقيقة أن مثل هذه المواقف والتي تتخذها بعض الدول حتى وإن صبت في صالح الشعب السوداني، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة وقوف تلك الدول الي جانب الشعب السوداني، فالدول تحركها مصالحها الخاصة وليست مصلحة السودان.
قد ان الاوان أن نعي حقيقة أنه ليست ثمة صديق لنا في هذا العالم، وان علينا الاعتماد علي أنفسنا لحلحلة مشكلاتنا، وأنه مهما اختلفت مواقفنا وتباعدت يظل السودانيون هم الاقرب الي بعضهم البعض أكثر من أي أجنبي. وأن واحدة من أهم الاسباب التي قادت الي حالة الفشل السياسي التي نعانيها اليوم هو التوهم بأنه في الامكان مواجهة التحديات التي تواجه شعبنا اليوم اعتماداً على الدول الاجنبية سواءاً كانت الامارات، أو مصر أو السعودية أو أمريكا أو بريطانيا أو روسيا، وأدعو اولئك الفرحين بالفيتو الروسي أن ينظروا ماذا فعل هذا الفيتو بالشعب السوري وسيادة واستقلال الدولة السورية.
لقد آن الاوان لإعطاء الاولوية لوحدة الشعب السوداني وقواه المدنية الحية، وذلك عبر اعطاء الاولية للعمل القاعدي بين مختلف فئات الشعب السوداني بالداخل والخارج وإعطاء الاولوية للعمل بالداخل ونبذ حالة التهيب من التصدي لمهام العمل السياسي والانساني بالداخل حتى وإن عظمت التضحيات. أما احلام الصعود الي سدة الحكم عبر دبابة البرهان أو مقاتلات الناتو فتلك أضغاث أحلام لا أكثر… تزيد من معاناة شعبنا وتطيل أمد الحرب.