ردا على بيان غاضبون ١
ما تدي قفاك للعسكر
هذا المقال هو رد على بيان مجموعة غاضبون بلا حدود والصادر عن مكتبها السياسي بتاريخ ٢٠ نوفمبر ٢٠٢٤م والذي يشتمل على عتاب ومناشدة للحزب الشيوعي تعديل موقفه تجاه الحرب التي تدور اليوم.
هنا لابد من الإشارة والتأكيد على أن الافكار والمواقف الواردة في هذا المقال إنما هي راي وموقف شخصي ولا ينبغي أن يحسب على أي جهة.
هذه الحرب المشؤومة والتي وقعت يوم الخامس من عشر من ابريل قد شكلت صدمة كبيرة للمواطن سوداني وادي الي ارباك الكثير من القوي السياسية لتبني مواقف هستيرية يمكن دحضها بالقليل من الجهد المنطقي والعقلاني.
واحدة من تلك الاثار كان الانقلاب الذي حدث في موقف مجموعة غاضبون بلا حدود وبعض المجموعات المؤيدة لها والتي قادتهم الي حالة الارتباك على مستوي التحليل فجعلتهم يتوصلون الي استنتاجات خاطئة من مقدمات صحيحة ليعودوا مرة أخري للوصول الي خلاصات صحيحة من استنتاجات خاطئة وهو ما يعكس حالة الارتباك التي شابت مواقفهم الاخيرة التي نظرت الي المشهد من زاوية واحدة ومنقوصة.
إن الحديث عن ان حرب الخامس عشر من ابريل إنما هي معركة وجودية تنذر بزوال الدولة السودانية وتفككها ووقوعها كلية في أيدي قوي الهيمنة الاقليمية، علي الرغم من صحته إلا أن الابناء والاخوة في غاضبون بلا حدود قد نظروا الي ما حدث صبيحة الخامس عشر من ابريل باعتباره حرباً بين ميليشيا الدعم السريع التي هي مخلب القط لقوي التبعية الدولية والاقليمية والجيش السوداني الذي يدافع عن وجود الدولة واستقلالها الوطني، متجاهلين بذلك حقيقة أن قيادة الجيش الحالية لم تكن لتصعد الي موقع القيادة هذا لولا ولغوها في التبعية من أخمص أقدامهم وحتي شعر رأسهم، فالبرهان وياسر العطا وبقية المجموعة هم من تولوا التنسيق والتنفيذ لعمليات نقل القوات السودانية الي اليمن تلك السقطة الوطنية التي هي أخطر من حادثة ترحيل اليهود الفلاشا وتستوجب الاعتذار للشعب اليمني طال الزمن أم قصر.
السؤال هنا موجه لمجموعة غاضبون بلا حدود ومناصروهم، ألا تعتبر هذه المشاركة في حرب اليمن حلقة من حلقات الفوضى التي تقودها القوي الاقليمية والدولية في المنطقة؟ … من الذي فض الاعتصام الذي كان أحد الاسباب الرئيسية لغضبكم غير المحدود؟ … هل هو حميدتي وحده أم بالاشتراك مع البرهان وزمرته؟ … من الذي غادر سراً الي كمبالا ومن وراء ظهر الشعب السوداني لمقابلة رئيس دولة اسرائيل؟ أوليس هو ذات البرهان؟ من فتح أبواب المنظومة الدفاعية لعملاء الموساد والخبراء العسكريين الاسرائيليين؟ أوليس هو ذات البرهان ومجموعته؟ .. ثم من دعا الي إقامة قواعد عسكرية أجنبية على سواحل البحر الاحمر؟؟ اليس هو ياسر العطا؟ … عن أي دولة واستقلال تتحدثون في ظل هؤلاء؟ … ألا يعتبر كل ذلك حرباً علي الدولة وتهديداً لوجودها واستقلالها.
مرة أخرى والسؤال موجه أيضاً لغاضبون، ماهي ضماناتكم أن قيادة الجيش الحالية إذا ما انتصر على ميليشيا الدعم السريع سوف تنتهج نهج الدفاع عن الدولة واستقلالها؟ ألا ترون أن قيادة الجيش نفسها قد أحاط نفسها بقادة الميليشيا الذين كان حتى الأمس القريب يتهمهم بالعمالة والتخابر مع القوي الاجنبية؟ مكررين بذلك نفس السيناريو الذي اتبعه البشير وتلميذه البرهان باتخاذ الدعم السريع فزاعة لإخافة الصوت الوطني والاحترافي داخل الجيش؟
هل تصدقون أن قادة المليشيات المتحالفة مع الجيش حالياً تؤمن بسيادة واستقلال الدولة السودانية؟ وما الذين تفعلونه أنتم في وسط كل هؤلاء؟ … أولم يكن قادة هذه الميليشيات يحيطون أنفسهم بضباط المخابرات الاماراتيين طيلة فترة مفاوضاتهم مع قوي الحرية والتغيير في أديس أبابا ثم لاحقاً مع حميدتي وقادة الجيش في جوبا؟؟ في الوقت الذي كنتم انتم تملأون الشوارع رفضاً لكل ذلك.
الي اي منطق تستندون في موقفكم هذا؟ … هل تعتقدون أنه من الممكن الدفاع عن سيادة واستقلال الدولة عبر مجموعة لا تري في مفهوم السيادة الوطنية والاستقلال سوي حجة لإيجاد شرعية سياسية لها بعد كل ما قامت به من قطع الطريق أمام مسيرة الثورة وفض الاعتصام والتآمر على الفترة الانتقالية بل والانقلاب عليها حتي أوصلت البلاد الي ماهي عليه الان.
أي موقف يطلبه الاخوة في غاضبون من الحزب الشيوعي؟ هل هو موقف التبعية لقيادة الجيش التي يعلم القاصي والداني من هم وماهي مواقفهم تجاه الثورة؟ … وهل هناك موقف أوضح من رفض جميع أطراف الحرب باعتبارهم جميعاً قوى تنتمي الي معسكر الثورة المضادة وسعت بكل قوتها لوأدها؟ … هل يعتقد الاخوة في غاضبون أن البرهان وحلفائه من قادة الميليشيات لديهم مصلحة في بلوغ الثورة السودانية الى مقاصدها؟
إن أخطر ما في بيان غاضبون هو التلميح الي مسألة قبول التنازل عن شعارات ثورة ديسمبر وأهدافها مقابل الحفاظ على جهاز الدولة السودانية وذلك في الفقرة التي قال فيها البيان ((لم يدرك الحزب أن اليوم لم يعد يكفي أن تتحدث عن الثورة فقط، إذا لم يكن موقفك حازمًا وجذرياً تجاه أعداء الدولة)). ثم استمر البيان على ذات النهج قائلاً ((إن ترويج الحزب الشيوعي لخطابات محايدة مختلطة بثورية مغلوطة في هذا التوقيت الحرج هو محاولة للتنصل من مسؤوليته في التفاعل مع الواقع الميداني، إن دعم الدولة السودانية في مواجهة هذا التهديد هو خيار لا يمكن تأجيله))
إذا ما كان دعم الدولة السودانية خيار غير قابل للتأجيل من وجهة نظر مجموعة غاضبون، إذن ما هو الذي يمكن تأجيله؟ … هل هي ثورة ديسمبر ومطلوباتها؟ ..
إن ما فات علي الاخوة والابناء في غاضبون بلا حدود أن الثورات هي التي تبني الاوطان وأجهزة الدولة وليس العكس، وإن أرادت مجموعة غاضبون بلا حدود تقديم الثورة وأهدافها قرباناً لحماية جهاز الدولة فإنني أؤكد لهم أنهم سوف لن يجدوا لا دولة ولا ثورة وسوف ينطبق عليهم المثل العربي القائل لا أرضاً قطع ولا نسلاً ابقي، كما أذكرهم أن موقف التنازل عن الثورة وشعاراتها حفاظاً علي الدولة كان هو نفس الموقف الذي اتخذته قوي الحرية والتغيير لتبرير تحالفهم مع قادة الجيش والدعم السريع، وهو الموقف الذي رفضتموه انتم وبكل ما أوتيتم من قوة … فالحذر الحذر فإنني أرى شجرا يسير… ولي عودة.
نص البيان
بسم الله الرحمن الرحيم
في الوقت الذي يعاني فيه الشعب السوداني من ويلات الحرب المستمرة، وما ترتب عليها من تدمير شامل في مختلف جوانب الحياة، نجد أنه من الواجب علينا في أن نرد على المواقف التي تضلل الحقائق وتعكس رؤية منحازة، تروج لخطاب يغفل عن جوهر المعركة الوطنية ويقصر النظر عن التهديدات الحقيقية التي تواجه وطننا.
إن ما يسميه الحزب الشيوعي السوداني “الحرب العبثية” هو في حقيقة الأمر حرب وجودية حرب سيادة وحرب ضد مليشيا تسعى لتفكيك الدولة السودانية تحت غطاء شعارات كاذبة، منذ انطلاق الحرب في السودان كانت هذه المليشيا جزءًا من مشروع أوسع تقوده قوى إقليمية ودولية تهدف إلى استخدام هذه الفوضى لمصلحتها الخاصة، مستغلة حالة الانقسام التي تعيشها البلاد، الحرب ليست نتاج رغبة في سلطة فقط، بل هي نتاج مخطط خارجي هدفه تدمير السودان كدولة ذات سيادة من خلال تجزئته وتحويله إلى مناطق نفوذ متصارعة، لهذا فإن الدعم المطلق لوجود الدولة السودانية، بجميع مؤسساتها بما فيها القوات المسلحة، هو الموقف الصواب من أجل الحفاظ على الوحدة الوطنية والسيادة.
الخطاب الذي يتبناه الحزب الشيوعي يُظهر بشكل جلي تملصه من تحديد موقف واضح ومباشر من تهديدات الأمن الوطني السوداني، بدلاً من أن يكون الموقف واضحًا في دعم الدولة السودانية في مواجهة أعدائها الداخليين والخارجيين، نجد أن الحزب الشيوعي يواصل معزوفته التقليدية التي تروج للثوار الجدد، لم يدرك الحزب أن اليوم لم يعد يكفي أن تتحدث عن الثورة فقط، إذا لم يكن موقفك حازمًا وجذرياً تجاه أعداء الدولة.
إن ترويج الحزب الشيوعي لخطابات محايدة مختلطة بثورية مغلوطة في هذا التوقيت الحرج هو محاولة للتنصل من مسؤوليته في التفاعل مع الواقع الميداني، إن دعم الدولة السودانية في مواجهة هذا التهديد هو خيار لا يمكن تأجيله، يتجاهل الحزب كل تلك القوى الداخلية والخارجية التي تسعى لتفكيك الدولة السودانية عبر دعم المليشيات، ويركز على الرومانسية الثورية.
في هذا السياق، نحن في “غاضبون بلا حدود” نؤكد على دعمنا الثابت لوجود الدولة السودانية وتماسكها، خصوصاً في هذه المرحلة التي تمثل فيها القوات المسلحة خط الدفاع الأخير ضد التهديدات التي تطال وحدة السودان وسيادته، الحرب التي نخوضها اليوم هي حرب لحماية الدولة السودانية من التفكك، ومن المخططات التي تسعى لتدمير مؤسساتها واستبدالها بكيانات غير مستقرة قابلة للابتلاع من قبل القوى الخارجية.
الدعم للقوات المسلحة السودانية هو خيار استراتيجي لحماية سيادة البلاد، وإننا في “غاضبون بلا حدود” نعتبر أن هذه المعركة ليست مجرد مواجهة عسكرية، بل هي معركة دفاع عن الوطن بكل مكوناته ومؤسساته، أي محاولة لتقويض هذه المؤسسات في هذه المرحلة ستكون بمثابة انتحار سياسي، ولن يكون لها إلا عواقب وخيمة على السودان وشعبه.
نؤكد أن هذه القوى الخارجية التي تسعى لتفكيك السودان، لا تهدف إلا إلى تقويض الدولة السودانية وتقسيمها إلى دويلات ضعيفة، الدعم المقدم للمليشيات من قبل هذه القوى هو جزء من أجندات خارجية تهدف إلى تسريع انهيار السودان لصالح مشاريع استعمارية جديدة.
نحن في “غاضبون بلا حدود” نؤمن أن الحل الوحيد لهذه الأزمة هو في تعزيز جبهة الداخل، عبر توحيد صفوف الشعب السوداني حول مشروع وطني حقيقي يتجاوز الانتماءات السياسية والمناطقية، ويسعى لحماية سيادة السودان وتعزيز وحدته في مواجهة الأطماع الداخلية والخارجية بوعي كامل بمخاطر المرحلة، لا كما نرى من بعض القوى التي تساهم في تأجيج الفتنة وتسعى لتصفية حساباتها السياسية على حساب الدم السوداني.
إن دعمنا لوجودية الدولة السودانية وللقوات المسلحة هو الموقف الذي يضمن للسودان مستقبلاً موحدًا وقويًا، قادرًا على تجاوز هذه الأزمة، لن نسمح لأي جهة داخلية أو خارجية أن تساهم في تمزيق هذا الوطن الذي يظل هو الأولوية بالنسبة لنا.
وفي ذات السياق نود أن نوجه تحية خاصة لشباب الحزب الشيوعي الثوريين الذين لا يزالون يحملون هم الوطن في قلوبهم ويؤمنون بالعدالة والحرية، نعلم أن هناك من بين رفاق الدرب من يعتقد أن الطريق نحو التغيير الحقيقي يمر عبر الموقف الثوري الذي يدعم وحدة الوطن وسيادته، ونؤكد دعمنا لهؤلاء الشباب الثوريين في سعيهم لتحقيق العدالة، والذين لا يزالون يقاومون في وجه الطغيان لتحقيق آمال الشعب السوداني في الحرية والكرامة، كما نؤكد دعمنا الكامل لسعيهم لتغيير شكل ممارسة السياسة القديمة وإعادة بناء الممارسة السياسية بشكل أكثر انفتاحًا وواقعية، بعيدًا عن الأجندات التقليدية التي لم تعد قادرة على تحقيق تطلعات الشعب السوداني.
ختامًا إن الشعب السوداني بكل أطيافه، قادر على الانتصار في هذه المعركة من أجل وطن موحد وقوي، ولن يتمكن أحد من التفريط في هذا الوطن مهما كانت القوى التي تقف خلف المؤامرة، فلنقف جميعًا مع الدولة السودانية ولنكن جميعًا في صف السيادة والكرامة.
المكتب السياسي _ ٢٠ نوفمبر ٢٠٢٤م
#غاضبون_بلا_حدود“غ.ب.ح”