انضمام أبو عاقلة كيكل إلي الجيش
علي ضوء مبدأي عدم الافلات من العقاب ورفض الميليشيات
ضجت الساحة السياسية يوم أمس بانسلاخ المدعو أبو عاقلة كيكل من ميليشيا الدعم السريع وانضمامه الي الجيش. وقد تباينت الآراء في ذلك حيث قلل المؤيدون لميليشيا الدعم السريع من أهمية الحدث، بل ومن شأن الرجل نفسه والميليشيا التي يقودها. أما مؤيدوا الجيش فقد احتفوا بالأمر واعتبروه انتصاراً أمنياً غير مسبوق وسارع نجوم الهبوط الناعم في نسخته الجديدة في أيجاد المبررات الاخلاقية لحالة الافلات من العقاب الواضحة التي تمت بانضمام الرجل للقتال الي جانب الجيش وذلك بتصوير المشهد باعتباره استسلاماً تارة، ثم تارة أخري بمحاولة يائسة لتفكيك المبدأ ومحاولة تجزئته ومن ثم تسييله. أما القسم الثالث فقد راعه ما شاهد من تحول الرجل بين عشية وضحاها من جرم قتل ونكل بأبناء وبنات الجزيرة الي بطل يدافع عن حياض الجزيرة ضد ميليشيا الدعم السريع الارهابية. وأبدي هذا القسم حسرته وامتعاضه من رفاق الأمس من مؤيدي الهبوط الناعم في نسخته الجديدة الذين أيدوا، بل وهللوا وكبروا لضياع حقوق انسان الجزيرة التي ذبحت علي يد أبو عاقلة كيكل والميليشيا التابعة له.
أن هذا الاتفاق انما هو في جوهره حالة ناصعة للإفلات من العقاب. وهنا يبرز السؤال الساخر بصورة مؤلمة في وجه منظري الهبوط الناعم الجدد، إن كنا نقبل بإفلات أبو عاقلة كيكل من العقاب بحجة أن حفظ دم الابرياء أولي من العقاب، فلماذا رفضتم ذلك واقمتم الدنيا علي قحت حينما دعت طيلة الفترة من ٢٠٢٠م وحتي اليوم الي القبول بمبدأ افلات الدعم السريع من العقاب والتعامل معه من نفس الباب؟؟!!. أولم تكن هي ذات الحجة؟؟!!.
لقد تكشف جلياً أن الصراع المرير الذي يخوضه نجوم الهبوط الناعم الجدد مع قحت أنما هو صراع بين أفراد المعسكر الواحد على احتلال كابينة القيادة في قطار الهبوط الناعم، وسوف نجدهم قريباً وزراء وسفراء يؤدون فروض الولاء والطاعة للبرهان وزمرته وينكلون بالثوار، فهذا سيناريو قديم متجدد في قارتنا الافريقية والعديد من الدول الأخرى خارج القارة.
إن أي تفكيك لميليشيا الدعم السريع هو بالطبع أمر ايجابي شريطة ألا يكون ذلك على حساب مبدأين مهمين:
المبدأ الأول: مبدأ عدم الافلات من العقاب، وقد ذكرنا مراراً وتكراراً أن القبول بمبدأ الافلات من العقاب يعني القبول بمبدأ تكرار هذه الجرائم مستقبلاً، والعقاب الذي نتحدث عنه هنا نعني به تحمل المسؤولية كاملة غير قابلة للتجزئة قانونية وسياسية واقتصادية واجتماعية وتشمل هذه المسؤولية ايضاً مسؤولية الافراد والمؤسسات. ذلك هو مبدأ عدم الإفلات من العقاب الذي بدونه سوف لن تتوقف الجرائم الجسيمة التي ظلت ترتكبها جهات عديدة داخلية وخارجية ضد ابناء شعبنا. وكل من يدعو الي تجزئة أو تسويف هذا المبدأ كما هو مشروح أعلاه إنما هو شريك في هذه الجرائم.
المبدأ الثاني: مبدأ رفض المليشيات ونعني به رفض وجود أي ميليشيا على أرض السودان بغض النظر عن أهدافها أو مشروعها السياسي. فجميع ألميليشيات الموجودة على الساحة اليوم تنتمي الي معسكر الهبوط الناعم وهي ليست صاحبة مصلحة في استكمال طريق الثورة. إن التمسك بشعار الجيش الوطني الواحد يقتضي قطع الطريق أمام بقاء أو استمرار وجود أي ميليشيا حول حياض الجيش وحماية وتنقية الجيش من الداخل من العناصر الميليشيوية أو المؤيدة لوجود الميليشيات حول الجيش.
من المهم هنا الانتباه الي أن قيادة الجيش الحالية غير المحترفة لازالت تعمل على تهديد حياة الجيش والبلاد بالتوسع في سياسة حصار وخنق الجيش بالميليشيات، وهي سياسة دشنها عرابهم البشير قبل عقد ونيف من الزمان، فقوات عقار وجبريل مناوي وتمبور وغيرها وقوات كيكل المنضمة حديثاً جميعها ميلشيات بالمعني اللغوي والاصطلاح السياسي والعسكري والقانوي. وجميعها مؤهلة للقيام بنفس الجرائم التي ارتكبتها ميليشيا الدعم السريع متي ما أحست بالتهديد والقوة الكافيتين. وأكبر دليل علي ذلك هو ما رشح في الاعلام مؤخراً من اجتماع بين الميليشيا المسلحة المؤيدة للجيش في منزل جبريل ابراهيم والذي وبغض النظر عن صحته من عدمها لا يستطيع أحد إنكار وجود هذه الذهنية وهذا السلوك وسط قادة هذه الميليشيات منذ أيام البشير مروراً بالفترة الانتقالية وانتهاء بانقلاب البرهان في ٢٠٢١م.
نذكر أولئك الذين يعتقدون أن انضمام كيكل للجيش انما هو أنجاز أمني تاريخي بخلفية كيكل كمهرب سلاح كانت تستخدمه الاستخبارات العسكرية في عملياتها غير المشروعة ثم تحول بفعل أرباح عمليات تهريب السلاح الي قائد ميليشيا محلية بمنطقة البطانة تبيع خدماتها لمن يدفع أكثر. إذن فانضمام الرجل الي الجيش ليس بالإنجاز فهو كغيره من قادة الميليشيات في السودان ينضم لمن يدفع أكثر، ولكن الاخفاق الاستخباري الكبير هو أن الرجل قد ارتفع سقف طموحاته جدا بحيث لن تستطيع الاستخبارات العسكرية – تماماً كما حدث مع حميدتي – السيطرة عليه وسوف يدفع مواطن البطانة وشرق الجزيرة الثمن مجدداً إن لم يكن السودان أجمع. تلك هي أهمية مبدأي عدم الافلات من العقاب ورفض الميليشيات الذين أردنا شرحهما في هذا المقال.