من هم المزرعيون الجدد؟ (٣\٥)

هل نحن ازاء حالة إعادة ترتيب للمشهد السياسي السوداني؟

في الحلقة الاولي من هذه السلسة تطرقنا الي خارطة النفوذ في ظل النظام النيوليبرالي الممسك برقاب الشعوب الفقيرة في منطقتنا وغيرها من مناطق العالم، حيث تطرقنا الي دور اللاعبين الدوليين الكبار في منطقنا ومن يلونهم في تراتبية النظام من لاعبين اقليمين.

وفي الحلقة الثانية تناولنا دور اللاعبين المحليين في السودان ودورهم في تنفيذ مشروع التبعية في والذي اصطلح على تسميته في السودان بمشروع الهبوط الناعم. كذلك أوضحنا ان هذا المشروع ظل يتلون علي حسب متغيرات الواقع السياسي في بلادنا. كذلك أشرنا في المقال الثاني الي وجود مؤشرات تشي بظهور فئة سياسية جديدة في طور التخلق من بين أحشاء مؤيدي الجيش وقيادته الحالية سوف تبرز على السطح لتكون الواجهة المستقبلية لهذا المشروع.

بعد أن شرحنا موقف الجيش وقيادته في مقالات سابقة، سوف يتناول هذا المقال بالتحليل موقف مجموعات الهبوط الناعم الأخرى في نسختها القديمة وعلى رأسها ميليشيا الدعم السريع والحركات المسلحة على أن نتناول مصير المجموعات المدنية وعلى رأسها مجموعة قحت/ تقدم في مقالات قادمة.

سيكون مدخلنا لهذا المقال هو التعليق علي خطاب قائد ميلشيا الدعم السريع الاخير والذي أتي وحسب وصفنا لمجموعات الهبوط الناعم في نسختها القديمة بتغريدة البجع الاخيرة ولمن لا يعرف تلك التغريدة هي صوت يصدر عن البجعة المحتضرة وهي تلفظ انفاسها الاخيرة. فالرجل قد أدرك أنه قد خسر المعركة السياسية وتلك خسارة لا تعوضها المكاسب العسكرية التي حققها على الارض والموقف العسكري المريح الذي يتمتع به على هذه الساحة. كذلك أيضاً نجد انه قد اكتشف أن هذه الخسارة السياسية سوف تمهد الطريق أمام الهزيمة العسكرية مستقبلاً. لكن وعلى الرغم من كل ذلك لا ينبغي علينا التوهم بأن ميليشيا الدعم السريع قد ذهب ريحها أو أنها سوف تتبخر الي السماء. ففي تقديرنا سوف تتراجع الميليشيا الي مناطق نفوذها الاجتماعي وسوف تمثل مصدر زعزعة وعدم استقرار أمني سوف يدفع ثمنه ولفترة طويلة أبناء دافور بصفة عامة وأبناء مناطق نفوذ الدعم السريع بصفة خاصة ومجدداً سوف يعاني الاقليم من عدم الاستقرار وغياب التنمية.

كذلك أدرك قائد الميليشيا أن قيادة الجيش قد عززت مواقعها لدي دهاقنة الهبوط الناعم وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية مما أعطي الضوء الاخضر للاعبين إقليميين جدد للدخول على الخط وبقوة أكبر علي حساب اللاعب الاقليمي الابرز الداعم للدعم السريع وهو دولة الامارات، وهذا يفسر غضبته العمرية على الولايات المتحدة الامريكية ومصر في ذلك الخطاب، ومن المتوقع أن نشهد المزيد من نشر الغسيل الوسخ في خلال الفترة القادمة وذلك من باب إذا اختلف اللصان ظهر المسروق.

أن ما يدعو للسخرية والغيظ في آن واحد أن قائد الميلشيا يحتج علي الاسلحة الامريكية التي يستجلبها الجيش عبر مصر لقتل الشعب السوداني، ولكنه لا يستنكر استجلاب ذات الاسلحة الامريكية التي يستجلبها هو عبر دولة الامارات العربية ليستخدمها في قتل الشعب السوداني، وهو مثله مثل قادة الجيش لا يعترفون بأن جميع هذه الاسلحة سوآءا من مصر أو الامارات والمستخدمة في قتل الشعب أنما يدفع ثمنها من موارد البلاد المنهوبة بواسطتهم الي الراعي الامريكي الذي يقوم بإخراج زكاة هذا المال المغموس بالدم تحت لافتة العون الانساني وإغاثة شعب السودان المنكوب مستخدمين في ذلك منظمات دولية ووطنية تعمل في الحقيقة علي استدامة هذا الوضع المربح للبعض.

أما فيما يلي الحركات المسلحة فمن الواضح أنها قد اكتفت بالرشوة الكبيرة التي قدمها لهم قادة الجيش بالسيطرة على موارد الدولة ووزارة المالية وتخلت ولأسباب جهوية وتاريخية تتعلق بصراعهم الطويل مع ميليشيا الدعم السريع عن كفيلتهم الاقليمية وهو ما أضعف كثيراً موقف الامارات في سباق لمسافات الطويلة مع بقية اللاعبين الاقليميين في المنطقة وعلي راسهم مصر والسعودية.

لكن وفي نفس الوقت لا ينبغي الركون على هذا الموقف للحركات المسلحة، فقادة هذه الحركات مثلهم مثل قادة الجيش وقادة ميليشيا الدعم السريع من المؤمنين بمشروع التبعية ولا يتخيرون لأنفسهم مكاناً خارج دائرة التبعية ونهب الموارد.

كذلك نقرأ من بين سطور الخطاب أن الميليشيا قد استشعرت تخلي دولة الامارات عن دعمها، وهذا أمر متوقع في ظل الخسارة السياسية الماحقة التي لحقت بالمليشيا جراء الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبتها عناصرها في مختلف ربوع البلاد، والتي لم يعد اللاعبون الكبار بقادرين على احتمالها. ولان الامارات بحكم تكوينها وطبيعة نظامها السياسي والاقتصادي سوف لن تقنع بالانكفاء ولعب دور ثانوي في السودان فسوف تسعي لعملية إعادة تموضع وذلك عبر تغيير معظم اللاعبين المحليين الذي تحت إمرتها كما ستسعي الي مد جسور التواصل مع قيادة الجيش الحالية وذلك عبر ثلاث مجموعات مرشحة لأداء هذ المهمة وهي: الحركات المسلحة المتحالفة مع الجيش، أو مجموعة المثقفين ونجوم الميديا الداعمين للجيش وكبار ضباط جهاز أمن البشير، أو باستخدام المجموعات القبلية والجهوية المؤيدة للجيش واتوقع أن تشهد الايام المقبلة زيارات واتصالات مثيرة للدهشة بين بعض المجموعات في حربه ضد الدعم السريع، وسوف لن أندهش إطلاقاً لو سمعنا بزيارات واتصالات تجري سراً وعلناً بين هذه المجموعات ودولة الإمارات في القريب العاجل.

إذن وختاماً يمكن القول إن ميليشيا الدعم السريع سوف تجد صعوبة كبيرة في أيجاد دور لها في النسخة القادمة من الهبوط الناعم وسوف تتحول الي مجموعة منبوذة ولفترة طويلة حتى تتمكن من ايجاد موطئ قدم لها من جديد في سوق التبعية، ومن المرجح أن يكون هذه المرة عبر لاعب إقليمي من خارج منطقة الشرق الأوسط.

أما الحركات المسلحة فسوف تواصل سياسة اللعب على الحبال التي تجديها منذ نيفاشا وابوجا والدوحة وأسمرا بحثاُ عن كفيل اقليمي يتولى مهمة الصرف علي قواتها علي الارض وجهازها السياسي والاعلامي مقابل عملية بيع موارد البلاد. كما أن هناك احتمال كبير بتغيير ولاء هذه الميليشيات للجيش خصوصاً وأن قيادة الجيش سوف تعمد الي قيادة عملية سياسية عبر واجهات مدنية تجمل بها وجهها الانقلابي وتضفي قدر محسوب وشكلي من الحداثة على جهاز الدولة المنهوب بوقاحة بواسطة قيادات الحركات المسلحة بما يتماشى ومعايير الهبوط الناعم.

في المقال القادم بإذن الله سوف نتناول خيارات إعادة التموضع المتاحة أمام العناصر المدنية من قوي الهبوط الناعم.

شارك بتعليقك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *