تعليقاً على تحركات الجيش الاخيرة

ما هو الثمن؟ … وكيف هو المخطط؟

اما وقد هدأت عاصفة التعليقات ما بين مؤيد وناقم على تحركات الجيش يوم الخميس الماضي الموافق 26 سبتمبر 2024 وما تلاها من تداعيات، والتي نجح خلالها من الدخول الي مدينتي الخرطوم وبحري واستيلائه على مساحات محدودة في كلتا المدينتين، فإنني اعتقد أنه قد آن الأوان للنظر الي ماجري بعين الفحص والتحليل حتى نستطيع فهم ماجري وانعكاس ذلك على المستقبل القريب، حيث يمكن تلخيص هذه الاحداث في الاتي:

تمكن الجيش من الهجوم على مدينة الخرطوم عبر جسري القاعدة الطبية (جسر النيل الابيض القديم) وجسر الفتيحاب (جسر النيل الابيض الجديد) وتمكن من الاستيلاء على المنطقة الواقعة بين جسر القاعدة الطبية شرقاً حتى حدائق السادس من ابريل. كذلك وعلى محور مدينة بحري تمكن من الهجوم على ميليشيا الدعم السريع وذلك بواسطة قوات انطلقت من أم درمان عبر جسر الحلفايا والتي التقت بقوات قادمة من منطقة الكدرو العسكرية حيث تمكنت هذه القوات من الاستيلاء على مناطق الكدرو والدرشاب والحلفايا. وهنا لابد من التركيز على ثلاث ملاحظات مهمة:

الملاحظة الأولي هي تمكن قوات الجيش ولأول مرة من قيادة هجوم منسق عبر جمل تكتيكية على قدر كبير من الاحترافية وتنسيق نيراني عالي بين مختلف الاسلحة التي شاركت في هذا الهجوم. هذا التطور يجعلنا نرجح تلقي الجيش لدعم فني وتكتيكي خارجي، فضباط الجيش الذين يديرون الحرب على المستوي العملياتي منذ اندلاع هذه الحرب كان واضحاً افتقارهم لمثل هذه الخبرة، وهو ما ظللنا نتحدث عنه كثيراً حول عدم احترافية الطاقم الموجود على قيادة الجيش.

لكن وفي المقابل نجد أن هذه النوع من الدعم لا تقدمه الدول بسهولة ولديه ثمن باهظ غالباً ما يتعدى مجرد المال ليمتد الي مسائل تمس السيادة الوطنية كما حدث في حالة التعاون العسكري السوري الروسي والذي مكن الحكومة السورية من من دحر المجموعات المتمردة عليها في معظم الاراضي السورية الا أن الثمن كان باهظاً جدا.

الملاحظة الثانية هي أن هذه العملية أثبتت أن الجندي السوداني لا تعوزه الشجاعة كما تروج له مليشيا الدعم السريع وبعض المجموعات القريبة منها، فالجندي السوداني طوال تاريخه ظل يثبت أنه جندي كفء وشجاع متي ما توفرت الخطة الحربية القابلة للتنفيذ والنجاح ومتي ما كان الدور المطلوب منه واضحاً وقابلاً للتنفيذ وهذه وهي كلمة حق ينبغي أن تقال في حق الجندي السوداني.

الملاحظ الثالثة والمهمة هي ارتفاع أعداد الضحايا الذين قضوا في هذه العملية من عناصر الحركة الاسلامية ومن المجموعات الثورية ذات التفكير الثوري البدائي والتي انحازت للجيش. وهذه هي النقطة بالذات سيتناولها هذا المقال بشيء من الاسهاب الضروري فاني هذه المرة أري شجراً يسير.

لشرح هذه النقطة لابد لنا من التذكير بمرتكزنا الاساسي في تحليل هذه الحرب وهي انها أنما اندلعت لتحقيق هدف رئيس هو سحق وتدمير القوي الشعبية الثورية وقطع الطريق نهائياً عن أي حلم بإقامة دولة سودانية حديثة قائمة علي مبدأ العدالة الاجتماعية ومنحازة للفقراء والمسحوقين الذين هم السواد الاعظم لهذا الشعب، ومن ثم إقامة دولة تابعة لقوي الشر الرأسمالي العالمي والاقليمي علي انقاض ذلك الحلم.

ذلك هو الهدف الرئيس لهذه الحرب والذي لا ينبغي أن يغيب عن ناظرينا ولو للحظة.

بناءً على ذلك وحتى ينجح هذا المشروع لابد من سحق مجموعتين مهمتين يشكلان تهديداً حقيقياً لهذا المشروع، المجموعة الأولي هي القوي الثورية التي تعاظم نفوذها على مستوي الشارع بحيث اصبحت مهدداً حقيقياً لاي مشروع تسوية يضع البلاد في طريق التبعية وقد برزت قوة هذه المجموعة جلية خلال محاولة توقيع الاتفاق الإطاري بين مختلف قوي التسوية قبيل اندلاع الحرب.

والمجموعة الثانية هي مجموعة الاسلامين المسيطرين علي الجيش وبقية المؤسسات الامنية وبقية مؤسسات الدولة بمختلف قطاعاتها والتي وبسيطرتها تلك قد تحولت الي عائق كبير أمام بزوغ وتخلق المشروع السياسي الجديد القائم على الشراكة بين مختلف القوي المؤيدة لمشروع التبعية من مجموعات الرأسمالية الطفيلية وأحزاب الهبوط الناعم وطبقة كبار الضباط الفاسدين.

القضاء المبرم على هتين المجموعتين والتي وحسب وجهة نظر مشعلي الحرب مجموعتين متشنجتين وغير قابلتين للتفاهم يتطلب اشعال حرب تعيد ضبط موازين القوي لصالح مجموعات التسوية والتفاهم التي تقبل بمشروع التبعية النيو ليبرالي.

استراتيجية قوي الهيمنة النيو ليبرالية للقضاء على القوي الثورية على مستوي الشارع ترتكز على استخدام قسم من القوي الثورية من أصحاب التفكير الثوري البدائي والتي أعلنت انحيازها لصالح الجيش بحيث تتم تصفية العناصر النزيهة منهم ليجعلوا منهم ايقونات ثورية تصعد علي نعوشها بعض العناصر الضعيفة فكرياً وسياسياً وأخلاقياً بحيث تقبل أو تتماهي أو تتغاضي عن استراتيجية قوي الثورة المضادة في نسختها الجديدة. وفي البال هنا انقسام 1970م حيث عملت قياداته أمثال معاوية سورج وأحمد سليمان ونعيمة بابكر و محاسن عبد العال على تصفية الحزب الشيوعي السوداني بالتعاون مع ديكتاتورية نميري العسكرية وتحت غطاء ايولوجي وشعارات يسارية متطرفة . و لا يوجد ما يمنع اليوم من تكرار نفس السيناريو طالما يوجد بين ظهرانينا مجموعات تعتقد أن التعاون مع الديكتاتوريات العسكرية سوف يفضي الي ديمقراطية أو دولة عدالة إجتماعية.

علي الضفة الأخرى، نجد أن استراتيجية قوي الهيمنة للقضاء علي حلفاء الأمس من الاسلاميين والذين تحولوا الي عائق أمام تطور النسخة الجديدة من مشروع الهيمنة بسيطرتهم شبه الكاملة علي الجيش وبقية أجهزة الدولة هي الالقاء بهم في أتون حرب تنتهي بالقضاء المبرم عليهم وعلي هيمنتهم علي الجيش والدولة. وهنا لابد من الاشارة الي رسالة عراب مجموعة الإسلاميين الممسكة برقبة الجيش حالياً علي عثمان محمد طه والذي دعا فيها عناصر حركته الي فقه إدخار القوة عدم استنفاذ طاقتهم في هذه الحرب خوفاً من أن يشكل ذلك مدخلاً لتصفيتم وإزاحتهم من مواقع اتخاذ القرار بصورة نهائية.

إذا ارادت قيادة الجيش الحالية تصفية قادة ورفاق الامس من عناصر الحركة الاسلامية فذلك شأن يخص معسكرهم، أما نحن كقوي ثورية فلا ينبغي علينا غض الطرف عن مخططهم الخبيث في تصفية قوي الثورة الحية عبر جرها الي حرب تصب في مصلحة قوي الثورة المضادة في نسختها الجديدة والعمل علي حماية وتحصين صف الثورة بالوعي وكشف مخططات قوي الثورة المضادة الناعمة والتي تجلت بصورة كثيفة منذ الخميس الماضي حيث عمدت الي تلميع بعض المثقفين ونجوم وسائل التواصل الاجتماعي المحسوبين علي قوي الثورة عموماً واليسار بصورة خاصة والذين اشتهروا بمواقفهم الداعمة للجيش في حربه، فهؤلاء هم الحمدوكيون والمزرعيون الجدد، ولنا عودة.

شارك بتعليقك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *