حول سياسة الإنهاك وتوازن الضعف
يعتقد البعض أن الحرب في السودان سوف تتوقف عندما يبلغ أطرافها مرحلة الانهاك وتوازان الضعف، وتلك سياسة قد اثبت فشلها في تحقيق سلام مستدام في كثير من دول العالم فهي قد خلقت حالة طويلة من “اللا – سلم” و”اللا – حرب” في شبة الجزيرة الكورية منذ خمسينات القرن الماضي كما خلقت نفس الوضع منذ ستينات القرن الماضي في حالة الجمهورية الصحراوية وجبهة البوليساريو.
مع بداية القرن الحالي أصبحت هذه السياسة غير قادرة حتى علي استدامة حالة اللا – سلم واللا –حرب وذلك نتيجة لزوال القطبية التي هيمنت علي السياسة معظم سنوات القرن الماضي والتي كانت تفرض قواعد صارمة للعبة الدولية لصالح القطبية الدولية في مقابل المصالح الإقليمية والمحلية.
أما عالم اليوم فقد اعتمدت السياسة فيه على شبكة من المصالح الإقليمية والوكلاء الإقليميين الذين هم أقل انضباطاً والتزاماً تجاه قواعد أولويات أولئك الوكلاء الإقليميون الذين أصبحوا يلعبون بصورة أكبر لصالح أجندتهم الإقليمية في مقابل التزامهم بمصالح اللاعبين الدوليين الكبار مثل الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي والصين وروسيا.
نتيجة لهذا الوضع نجد ان الوصول لحالة الانهاك وتوازن الضعف نفسها قد أصبحت عملية غير مستقرة ومتأرجحة نتيجة لمحلية المصالح ولاعتمادها على لاعبين إقليميين صغار مثل إيران والامارات والسعودية ومصر والجزائر في مقابل لاعبين إقليميين كبار وأقوياء مثل الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة خلال القرن الماضي.
ظهر هذا الوضع بصورة جلية في كل من العراق وسوريا وليبيا واليمن والتي لم تنجح فيها سياسة الانهاك وظلت حالة توازن الضعف فيها متأرجحة مما ادي الي اندلاع موجات من العنف والنزاعات المسلحة بين الفينة والأخرى. أيضاً أدت سياسة الانهاك وتوازن الضعف الي ارتخاء قبضة الدولة المركزية على الأراضي والموارد وخلق حالة من التفكيك الفعلي وأن كان غير معترف به رسمياً لأقاليم البلاد كما في حالة الصومال والكنغو الديمقراطية.
للأسف، السودان مرشح للسير في هذا السيناريو خصوصاً وأن قسم كبير من القوي الدولية والمجموعات السياسية المدنية تعتقد أن سياسة والانهاك وتوازن الضعف هي السبيل لوقف هذه الحرب الدائرة في السودان اليوم وهذا مصدر خطر كبير.
مالم تنتبه له القوى المدنية المقتنعة بهذا السيناريو أن سياسة الانهاك هذه وإن كانت تضعف أطراف الحرب فهي تخرج القوي المدنية بالكامل من العملية السياسة المفضية الي سلام في السودان وتحولها الي مجرد لاعب احتياط في المقاعد الخلفية. وتجدر الاشارة هنا الي أنه وعلى الرغم من كل الخلافات بين المجموعات المدنية المختلفة تظل هي القوي الوحيدة المؤهلة لصياغة وبناء سلام عادل ومستدام، وذلك لأنها القوي الوحيدة المؤهلة للجلوس في مؤتمر قومي دستوري لصياغة مستقبل الحكم في السودان. ,إن إخراج هذه المجموعات من العملية السياسية سوف يقود بالطبع الي حالة من التسوية واقتسام السلطة والموارد بين أطراف الحرب.
إذاً ما العمل؟:
في تقديري المتواضع يتمثل المدخل الصحيح لوقف الحرب في السودان بتمسك القوي المدنية السودانية جميعها بمبدأ نزع سلاح جميع الميليشيات بلا استثناء وإعادة دمج المقاتلين في مجتمعاتهم وتحول هذه المليشيات الي قوي سياسية مدنية، ومن ثم جلوس جميع المجموعات السياسية والنقابية والفئوية في السودان بما في ذلك الميليشيات التي القت السلاح الي مؤتمر قومي دستوري… مؤتمر حوار سوداني… حوار وطني… أو سمه ما شئت. المهم أن يكون هذا الحوار بين قوي مدنية لا يتخذ أي منها من بندقيته فيتو على الاخرين وان يكون سوداني/ سوداني بإرادة سودانية خالصة وحبذا لو كان ذلك في الداخل.
هذه النموذج قد تمت تجربته بنجاح مع مقاتلي حركة فارك اليسارية في كولومبيا وإن تعثر قليلاً إلا أنه قد حفر الطريق الصحيح لبناء السلام في تلك الدولة وأناشد القاري الكريم الي الاطلاع على هذه التجربة عله يجد فيها ما يفيد في علاج الازمة الناشبة في السودان اليوم.
تحديات لابد من التصدي لها:
قد يدفع البعض بأنه وفي ظل حالة انعدام الثقة التي تتسيد المشهد السوداني اليوم فإنه من الصعب إقناع حاملي السلاح بإلقاء أسلحتهم والجلوس للتفاوض خصوصاً في ظل مؤسسة عسكرية ومؤسسات أمنية مسيسة ومختطفة بواسطة طبقة كبار الضباط الذين يدينون بالولاء لحزب سياسي معين. كذلك تطرح بعض الميليشيات تقرير المصير كخيار في حالة عدم قبول الأطراف الأخرى لتصوراتها المتشددة عن الحل وبالتالي هي ترفض القاء السلاح لان عينها على الاستقلال.
علي الرغم من ذلك نجد أن هذه التحديات وعلى الرغم من صعوبتها ليست عصية عن الحل خصوصاً وأن الخيار الاخر هو الانهاك والضعف والتفكك الذي هو في ليس في صالح الجميع.
خاتمة:
ختاماً، لابد من صنعاء وإن طال السفر، ولا بديل للحوار السوداني/ السوداني بالداخل، سوي الحوار السوداني/ السوداني بالداخل.