تأملات في العمل النقابي في السودان (٦\٧)
تعليقاً على حملة لجنة المعلمين
في منتصف شهر يوليو الجاري أعلنت لجنة المعلمين السودانيين عن حملة باسم حملة المعلمين الكبري، داعية فيها لإنهاء الحرب والالتفات لحق جيل كامل من الاطفال والشباب أصبح مستقبلهم التعليمي مهدداً.
لاقت الحملة نجاحاً جيداً وذلك بدعم عدد كبير من القوي لهذه الحملة، إلا انه قد عجزت لجنة المعملين في استثمار هذا النجاح والدفع بالحملة في الاتجاه الصحيح، وفي تقديرنا المتواضع أن الحركة الجماهيرية اليوم على اتم الاستعداد لمغادرة مربع الدفاع إذا ما وجدت قوي قادرة على تطوير تكتيكات هجومية تتضافر معاً لتعزيز هذا الوضع الهجومي الجديد.
في البدء لابد أن يدرك الاخوة المعلمون بصفة عامة والزملاء في لجنة المعلمين خاصة أن هذا المقال انما يأتي من باب المثل السوداني الذي يقول: “المادارك ما لامك”، فعقب بداية حملة المعلمين الكبري عجت الساحة بعدد ليس قليل من المبادرات والحملات والتي لم نتكلف عناء التعليق عليها حتى، ناهيك عن تناولها بالنقد والتحليل، وهذا بالطبع ليس حطاً من قدر تلك المبادرات أو الاجسام النقابية التي ابتدرتها فجميعها أجسام محترمة وكل نشاط مقاوم للحرب هو محل تقدير لدينا. ولكن السبب في ذلك يكمن في أنها وفي تقديرنا المتواضع مجرد مقطع اخر في سيمفونية العمل الفوقي ولقاءات نحن هنا التي لا علاقة لها بما يدور حقيقة على أرض السودان.
علمتنا لجنة المعلمين انها دائماً تجترح المبادرات على الارض ونشفق عليها اليوم من مفارقة درب العمل القاعدي على الأرض والركون إلى العمل الفوقي السهل. ونذكر هنا بأن آفة العمل الفوقي أنه عادة ما يكون مصحوباً بالكثير من التوهمات نتيجة للطبيعة التجريدية للعمل الفوقي والتي يصعب أختبارها على أرض الواقع.
للأسف فإن بوادر هذه التوهمات التجريدية قد برزت في بيان لجنة المعلمين بتاريخ الثاني من اغسطس 2024م والذي اعلنت فيه اللجنة العمل علي جمع الرافضين للحرب من الذين ناصروا الحملة للتفاكر حول الخطوة القادمة، ويبدو أن لجنة المعلمين قد اصيبت بشئ التخبط في تحديد أهداف حملتها فهي تحدثنا في بداية البيان أن حملتها تلك إنما هي من أجل استئناف العملية التعليمية بصورة حقيقية حتي يتم إنقاذ الجيل الحالي، ثم قفزت في الفقرة التي تليها الي التصريح بأن الهدف المنشود انما هو عودة السودانيين إلى حياتهم الطبيعية، وإسكات صوت البندقية، مستلهمين تجربة الشعب الباذخة في هزيمة الطغاة.
هنا يثور السؤال: هل يسعي المعلمون الي إبتدار حملة من اجل استئناف العملية التعليمية التي تأثرت أو تكاد أن تكون توقفت بفعل الحرب وهم في ذلك يسعون الي خلق حالة من التضامن حول هذه القضية؟ أم هم يعملون من أجل بناء جبهة واسعة لإسكات صوت الحرب وإعادة السودانيين الي حياتهم الطبيعية؟ …. فهناك فرق كبير بين الهدفين وفي الطريقة التي يتم بها انجاز أي منهم.
كذلك غفلت لجنة المعلين عن حقيقة أن حملتهم وعلى الرغم من التأييد الذي حظيت به لم يتعد مرحلة البيانات الندوات والملصقات الإيسفيرية، وأخشى أن تتجه اللجنة نحو لقاءات العلاقات العامة وتتجاهل النشاط الحقيقي على الارض وبالتالي تنتهي الحملة الي مجرد زوبعة في فنجان.
لتجنب ذلك لابد لنا أن نبدأ بالبسيط ثم المعقد، بمعني أن تبدأ الحملة بشعار بسيط ومحدد يركز على قضايا التعليم وأن تتوجه الحملة نحو الاجسام التي لديها نشاط حقيقي على الارض بهدف بناء موقف جماهيري حقيقي. فإذا أراد المعلمون النجاح لحملتهم فعليهم أولاً وضع اهداف معقولة ومحددة لحملتهم مثل الضغط من أجل استئناف العملية التعليمية التي تأثرت باندلاع الحرب ومواصلة الصراع حول قضايا التعليم الذي ابتدروه أثناء الثورة ثم التوجه نحو الداخل والعمل مع أجسام لديها القدرة على تنظيم الجماهير في مواقع عملهم وسكنهم وتجمعات نزوحهم.
لدي المعلمون قدرات كبيرة على الارض فأعداد المعلمين الموجودين في مختلف ولايات السودان سواءً في مناطق سيطرة الجيش أو الدعم السريع ليست قليلة، ومن الممكن كتابة سلسلة من التقارير عبر فرعيات لجان المعلمين ولجان المقاومة وغرف الطوارئ في كل ولاية أو محلية عن واقع التعليم والمبادرات التي يقوم بها مختلف الاطراف من أجل سد الفجوة وانقاذ العملية التعليمية. ثم تتطور هذه التقارير لتتحول الي حملة مذكرات لوزارات التربية في مختلف ولايات السودان.
هذه مجرد أفكار أولية وبالطبع المعلمون أدري بشؤونهم وبقضاياهم. وهذا بالضرورة لا يعني إلغاء النشاط الاسفيري فجبهة الاعلام مهمة، ولكنها تظل مجرد مدخل لبناء موقف جماهيري حقيقي على الارض.
ذلك هو الطريق الصحيح للنجاح. أما الحملات الفوقية التي تعتمد على الأسافير ولقاءات العلاقات العامة على شاكلة لا تنسوا السودان فتلك أنشطة لا تشبه لجنة المعلمين ولا تاريخ المعلمين النضالي الطويل من لدن سر الختم الخليفة مروراً بالشهيد عبد المنعم سلمان وأخيرا الشهيد احمد خير.
إن الركون الي العمل الفوقي سوف يجلب معه الكثير من التوهمات التجريدية غير المختبرة على أرض الواقع، فالمشكلة لا تكمن في إبراز الصوت الرافض للحرب، بل في الرؤية حول كيفية إنهاء الحرب واستعادة السلام، ولجنة المعلمين مهما بلغ نفوذها غير مؤهلة للتصدي للإجابة هذا السؤال المعقد فذلك هو سؤال الجماهير الذي يحتاج الي موقف جماهيري نابع عن تنظيمات جماهيرية حقيقية على الارض ويحسم في مؤتمر قومي دستوري وليس داخل حملة للجنة المعلمين.
إذن دعونا من الاستعجال وسياسة حرق المراحل والتركيز على مسألة تحويل الحملة الي فعل حقيقي علي الأرض عبر أجسام لديها القدرة علي العمل وسط الجماهير.